واليوم وبرغم الكوارث التي تشغل العالم لا حديث في الولايات المتحدة سوى عن التحقيق الذي أطلقه جمهوريون في مجلس النواب، يوم الثلاثاء، بقصد التمهيد لإجراءات عزل الرئيس بايدن حيث أعلن رئيس مجلس النوابكيفن مكارثي عن وجود مزاعم خطيرة وذات مصداقية في سلوك الرئيس تتطلب مجتمعة مزيدا من التحقيق.

ومنها اتهام الرئيس بالكذب بشأن معرفته بتعاملات ابنه التجارية، وأنه تلقى رشوة مقابل اتخاذ إجراءات رسمية عندما كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، وأن إدارته منحت عائلة الرئيس وشركاءه معاملة خاصة.

واليوم كذلك يطلق مكارثي تحقيقا يقوده رئيس لجنة الرقابة والمساءلة بمجلس النواب جيمس كومر بالتنسيق مع رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب جيم جوردان ورئيس لجنة الطرق والوسائل بمجلس النواب جيسون سميث، وهو بهذا التصرف-أي مكارثي- يكون قد حسم التساؤلات حول موقفه الرسمي من إجراءات العزل بعد ضغوطات من الشق اليميني من حزبه رغم عدم وجود دعم كبير في صفوف الحزب لإطلاق إجراءات هذا العزل في الوقت الحالي.

بداية فإن هذا التحقيق سيمنح الجمهوريين في مجلس النواب السلطات الكاملة لجمع كل الحقائق والإجابات للشعب الأميركي، فالمادة الثانية من الدستور تنص على وجوب عزل الرئيس ونائب الرئيس وجميع الموظفين الفيدراليين في الولايات المتحدة من مناصبهم في حالة اتهامهم وإدانتهم بالخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم الكبرى. ولا يحتاج مجلس النواب إلا إلى أغلبية بسيطة إذا تحققت لتبني مواد العزل، بعدها يعقد مجلس الشيوخ محاكمة العزل.

وهنا يرد السؤال: كيف ستكون استراتيجية البيت الأبيض في مواجهة مشروع العزل هذا؟
على المستوى الشخصي لاحظت أن استراتيجية البيت الأبيض في مواجهة إجراءات العزل تلك تبنى على ما يسمى بـ(الهجوم السياسي المضاد) عبر محاولة إقناع أكثر الاميركيين بأن إجراءات قضية العزل هذه ليست سوى اتهامات مسيسة يقودها(متطرفون)داخل الحزب الجمهوري، وأن الأمر كله ما هو إلا عملية تحريض سياسي اعتمد حتى نهاية الأسبوع على المقابلات الإعلامية المكثفة لوصف الرئيس بايدن بالكاذب والمحتال دون تقديم طلبات لمجلس النواب من أجل الحصول على وثائق تدعم اتهاماتهم تلك ولا حتى طلبوا-أي أصحاب مشروع العزل- شهودا جددا وأن الجمهوريين ظلوا9 أشهر يحققون ولم يعثروا على أي دليل على ارتكاب اية مخالفات.

أما إذا تحدثنا عن (الرئيس بايدن) فقد انطلق هو الآخر من القول إن الجمهوريين كانوا يضغطون من أجل إجراء تحقيق في قضية العزل منذ بداية إدارته وأنه لا يركز على الإقالة، بل لديه الأعمال التي يقوم بها.
وهنا يرد سؤال آخر: هل هناك دور للرئيس السابق دونالد ترامب في الأمر؟ هنا في واشنطن وبالقرب من الكابيتول يتردد أن النائبة اليمينية (مارجوري تايلور غرين)هي من دفع مكارثي لفتح التحقيق وأن خطوتها هذه جاءت بناء على طلب ترامب وأن القصد هو إجراء تحقيق طويل ومؤلم لبايدن ويقول الديمقراطيون بأن محاولة عزل الرئيس الحالي ماهي إلا محاولة لصرف انتباه الرأي العام عن المشكلات القانونية لترامب الذي يواجه لوائح اتهام جنائية تتزامن مع حملته الرئاسية .

بالعودة إلى مجلس الشيوخ فإن العملية هنا والتي هي سياسية وليست جنائية تتطلب موافقة ٦٦صوتا اي الثلثين حتى يدان الرئيس ويعزل من منصبه ومن نافلة القول ان الديمقراطيين لديهم الغالبية في مجلس الشيوخ وأنهم سيسقطون الإجراءات ان وصلت إلى التصويت بقصد العزل.

في الخلاصة يمكنني القول أن مكارثي اضطر لتسوية مع اليمين المتطرف في حزبه للفوز بمنصب رئيس مجلس النواب والذي يرتبط بقاؤه في موقعه بأصوات الجناح اليميني المتطرف فهو -أي مكارثي-كان قد تعهد طرح مسألة التحقيق على التصويت قبل الشروع في إجراءات العزل، لكنه تراجع عن ذلك خشية أن لا يتمكن من جمع الأصوات الكافية في المجلس وما فعله هو حيلة سياسية وممارسة حزبية تهدف إلى الانتقام من محاولة العدل المزدوجة التي قام بها مجلس النواب في حق الرئيس السابق دونالد ترمب وستبوء جهود هذا العزل بالفشل نظرا لغياب أي دعم من الجمهوريين في مجلس الشيوخ.

وستبقى بنود هذا العزل وتغطياته الإعلامية مجرد (مشتت للانتباه) عن موسم انتخابي مقبل في الولايات المتحدة لم ولن يتكرر مثله حيث تبدو أميركا على الصعيد السياسي ساحة مشتعلة قبل سنة من انتخابات يحبس العالم أنفاسه على وقعها حتى قبل أشهر من انطلاقها.