مع ذلك، يأكل هو أولا من الفريسة ولا يأكل غيره حتى يشبع. صحيح أن هيبته تخيف الجميع، وهو لا يقوم بأي من أعمال الغابة، لكن تلك المكانة تعود بالأساس إلى "حالة ذهنية" لدى بقية حيوانات الغابة في خوفها منه.

حين يشيخ السبع، لا ينتحي مكانا قصيا وإنما يظل يجول ويصول – قدر ما تسمح صحته في أواخر أيامه – محاولا إثبات مكانته باعتباره "القوة العظمى الوحيدة" في الغابة. لكنه غالبا ما يجد حيوانات أخرى تصطاد فرائسها وتبدأ في أكلها ليأكل هو بعدها. وبما أن الصيد هو النشاط الاقتصادي الرئيسي لحيوانات الغابة، يعد ذلك إثبات على أن الأسد العجوز لم يعد يقود.

ذكرني اجتماع "مجموعة السبع" الكبرى في هيروشيما باليابان هذا الأسبوع بحالة سبع الغابة حين يشيخ. فبغض النظر عن "كليشيهات" بيانات مثل تلك القمم المتعلقة بسبل مواجهة مشاكل الاقتصاد العالمي ومكافحة التغيرات المناخية وغيرها من موضوعات "الانشاء السياسي العالمي" فالأهم كان هو مواجهة الصين. تلك القوة الاقتصادية والعسكرية الصاعدة التي تهدد الهيمنة الأميركية على السياسة الدولية منذ نهاية الحرب الباردة.

يأتي تركيز قمة السبع على حصار الصين والحد من نموها، في استهداف ليس للصين وحدها وإنما على المدى البعيد القضاء على أي فرصة لقوة صاعدة مماثلة كي لا تحاول التفكير في "عالم متعدد الأقطاب" كما تريد الصين وروسيا وغيرها. لكن ربما كان الأهم هو أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، بدأت تدرك أنه من الصعب ردف استراتيجيتها الدولية بما أسمته "تحالف غربي واسع" استندت إليه في مواجهة روسيا مع بدء الحرب في أوكرانيا. فحينما أرادت واشنطن التوسع في المواجهة وحصار الصين وجدت تباينا في الآراء بين حلفائها الغربيين.

هكذا، أراد "الأسد" الأميركي المتفرد تقليص "طاقم قيادة العالم" – إذا جاز التعبير – ليصبح مجموعة السبع بقيادته. على أن يكون اختبار قيادة السبع الأول في التعامل مع الصعود الصيني عالميا. لكن كثيرا من المحللين والمعلقين في الغرب يشككون في قدرة مجوعة السبع على قيادة العالم. ويبدو ذلك منطقيا، ليس فقط لأن تلك الدول - ربما باستثناء كندا – هي "قوى شائخة" وإنما لأن فكرة القيادة تلك تبدو محاولة يائسة من الولايات المتحدة للبقاء قوة عظمى وحيدة.

من المعروف على مر التاريخ أنه حين لا تعتمد على تطوير قوتك الذاتية للحفاظ على مكانتك، تلجأ إلى إلى قاعدة خطرة وهي "إن لم أتمكن من الحفاظ على قوتي فعلي إضعاف قوة منافسي لأظل الأقوى"!. وثبت بالفعل أن تلك القاعدة إنما تقود إلى إضعاف الجميع. هذا ما يمكن تصوره من محاولة الولايات المتحدة الابقاء على قيادة العالم، بمساعدة مجموعة السبع، في مواجهة صعود مراكز قوى عالمية من آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية.

ولننظر لمجموعة السبع، فالعضو غير الأوروبي/الغربي فيها هي اليابان. وإذا كانت اليابان صعدت بقوة اقتصاديا بعد الحرب العالمية الثانية إلا أنها دخلت في كساد عميق منذ نهاية القرن الماضي ولم تفق منه بعد. ويرى البعض أن ذلك كان نتيجة استراتيجية أميركية لكبح جماح أي صعود اكثر لليابان وقتها. ثم هناك بريطانيا التي ورثتها أميركا في قيادة العالم اقتصاديا مطلع القرن الماضي بعد الحرب العالمية الأولى، ولعل بريطانيا تعد الآن نموذجا للسبع العجوز الذي سقطت أسنانه كلها حتى أنه لم يعد حتى "قادرا على الأكل". أما الدول الأوروبية الثلاث في المجموعة، فرنسا والمانيا وإيطاليا، فهي ايضا وإن كانت بها بعض الصحة إلا أن قوتها في تراجع.

في المقابل، ينظر إلى الصين وأمثالها من القوى الصاعدة على أنها وإن لم تكن سباعا بعد إلا أنها نمو قوية يمكن أن تأخذ بخناق السبع وتزيحه عن مكانته الأعلى في غابة السياسة الدولية. وحين توصف تلك القوى الصاعدة، من الصين إلى البرازيل مرورا بالهند وجنوب افريقيا، بأنها نمو فهي تختلف عن وصف "النمور الآسيوية" الذي التصق بدول مثل تايلاند وماليزيا وغيرها في نهاية القرن الماضي. فقد كانت الأخيرة "نمور من ورق"، لاعتماد تطورها الاقتصادي السريع على جذب الأموال الساخنة للمضاربة على عملاتها الورقية.

أما الصين والقوى الصاعدة الجديدة فهي تطور قاعدة اقتصادية حقيقية منذ عقود، تتشابك فيها الصناعة مع الزراعة والتجارة ويؤطرها تطور تكنولوجي وبناء قدرات ذاتية في مختلف المجالات. وبالتالي فهي نمور يمكن أن تتحول إلى سباع. وذلك على الأرجح ما يقلق أميركا وغيرها. لذا تسعى واشنطن بكل السبل للتصدي لذلك الصعود.

الخطر الحقيقي على ما يبدو سيكون في أن محاولات أميركا، باستخدام تحالف غربي واسع أو باستخدام مجموعة السبع (العواجيز)، لإضعاف القوى الجديدة لن يزيدها قوة ولن يعيد للسبع العجوز قوته واسنانه. وفي الأغلب ستتحول غابة السياسة الدولية إلى "صراعات ماعز" وليس صراع أسود ونمور. وربما في ذلك فرصة جيدة لقوى أخرى ليست ظاهرة على رادار صراعات قيادة العالم كي تبرز وتحقق مصالحها.