تنافر يحمل رسائل للداخل اللبناني وللخارج العربي والدولي على حد سواء. بدأ صباحا من بوابة الجنوب في مدينة صيدا، حيث شهد شاطئها معركة ضروس بين مؤيدي ارتداء النساء لباس البحر (المايوه) ممن يؤيدون الحريات العامة والشخصية وبين الرافضين من المتشددين الإسلاميين والداعين إلى "عُرف تفرضه خصوصية المدينة وطابعها المحافظ". وقد أثارت هذه المواجهة شرخا إضافيا في مجتمع واحد وانقساماً عمودياً لن تقتصر مفاعيله على الموضوع المطروح.

ففي حين قالت إحدى المنقبات على شاشة التلفزيون أن بإمكان من تريد ارتداء لباس البحر أن تذهب إلى أي شاطئ في مناطق أخرى من لبنان، ولكن ليس في المدينة.. جاء الرد عليها بأن المعاملة بالمثل تجوز، ويمكن لسكان هذه المناطق الأخرى رفض وجود محجبات بينهم.

أما فترة ما بعد الظهر فكانت حامية أكثر مع مناورة عسكرية لمقاتلي حزب الله في إحدى قرى الجنوب اللبناني المشمولة بالقرار 1701، الذي يمنع أي تواجد مسلح خارج الشرعية اللبنانية والجيش الوطني. وللاستعراض قراءات كثيرة تؤكد أن المتحكم بالقرار اللبناني لا يزال مصرا على إفهام من يستعصي عليهم ذلك أن الأمر له، قبل الاتفاق السعودي – الإيراني وبعده، وقبل عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وبعده مع انطلاق البحث في حلول سياسية وأمنية، مع تطبيق بند "خروج الجيوش الأجنبية وغير الشرعية منها" ومنها "حزب الله".

بالتالي، فإن العرض العسكري بقدرات تلوِّح بأن ما خفي من الآليات والصواريخ والمعدات هو أعظم، يوجه رسالة مفادها أن الحزب لا علاقة له بمسار التهدئة والتوافقات في المنطقة، ولا يستطيع أحد من الداخل أو الخارج فرض قراره عليه، ولا يزال تمسكه بمرشحه للرئاسة صلبا وراسخا، وعلى الآخرين أن يلتحقوا به.

أما الرسالة المسائية للأحد الساخن، فمصدرها إعلان الحزبين المسيحيين الأكبر أي "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" أنهما فشلا في التوصل إلى توافق على مرشح غير سليمان فرنجية، وسط توتر كبير بين الطرفين عبر وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

وبالطبع سوف تنسحب المحطات الثلاث لأحد ما بعد قمة مد الجسور، ليس فقط على مصير الاستحقاقات اللبنانية وأولها انتخاب رئيس للجمهورية.. وانما على صيغة التعايش اللبنانية في ظل دعوات مسيحية للانعزال عن شركاء الوطن الذين، يريدون ليس فقط فرض قراراتهم على الجميع، ولكن أيضا فرض عاداتهم وممنوعاتهم وأسلوب عيشهم المتزمت، بحيث تصبح الميثاقية المنصوص عنها في الدستور شرطا يصعب تطبيقه.. أو حتى يستحيل.. لتزيد الانقسامات على جميع الأصعدة الطين بلَّة.

وقد يقول قائلٌ إن "حزب الله" لا يستطيع أن يتنازل في مسألة فرض سليمان فرنجية رئيسا على جميع اللبنانيين، لأن ذلك كفيل باستدراج تنازلات أخرى متعاقبة تطيح بسيطرته وسيطرة محوره، ليضيع تعب المسار والمسيرة.

وقد يقول قائلٌ بأن رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، لا يستطيع أن يخالف إرادة حزب الله، بعدما استثمر في خط المحور الممانع ليحصل على مكتسباته ويؤمن استمراريته السياسية، التي قد تطير ان هو تمرد والتحق بصفوف معارضي الحزب، ليخسر كل ما جنته يداه.

وقد يقول قائلٌ بأن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع لا يستطيع القبول بالتسوية المنبعثة من توافقات الخارج باتجاه الداخل بحيث يخسر كل رهاناته، فلا يفيده بشيء أنه رئيس أكبر تكتل نيابي مسيحي، ويفقد شيئا فشيئا ما راكمه من خلال معارضة المحور الممانع بعد خطيئته بالاتفاق مع باسيل الذي أدى في حينه إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية.
بالتالي، في حين يبحر العرب في بحر التوافقات والانفتاح ليس فقط داخل مجتمعاتهم، وانما باتجاه الآخرين، يسبح المركب اللبناني بعكس التيار.. أكثر من ذلك، هو يغرق بعكس التيار.. وعن سابق تصوِّرٍ وتصميمٍ..