ليست روسيا الطرف الوحيد الذي يواجه نقصا في الذخائر، بل أن أكثر دولتين تدعمان أوكرانيا عسكريا وهما الولايات المتحدة وبريطانيا تواجهان نقصا حادا أيضا في مخزوناتها من بعض أنواع الذخيرة. ولتعويض الفاقد من مخزونات الذخيرة، نتيجة ارسال كميات كبيرة منها إلى كييف، زادت الطلبيات على شركات الصناعات الدافاعية مما رفع توقعاتها للعائدات والأرباح بقوة في الأعوام القليلة القادمة.

حسب المصادر الغربية، فإن روسيا استهلكت ما يصل إلى نسبة 80 في المئة من سواريخهاالباليستية من طراز "إسكندر" في القصف في أوكرانيا. ويكان لا يتبقى لديها سوى 120 صاروخا من هذا الطراز. في المقابل، وصلت مستويات الذخيرة في مخازن الجيش البريطاني إلى مستويات متدنية جدا ما دفع الحكومة إلى ارسال خطاب نوايا الأسبوع الماضي لمجموعة بي إيه إي سيستمز تمهيدا لمزيد من الطلبيات في الفترة القادمة.

وفي تحديث بياناها المالية للبورصة، أعلنت المجموعة البريطانية أنها تلقت طلبيات في الأشهر الماضية بنحو 33 مليار دولار، وأنها تتوقع تلقي المزيد من الطلبيات في الفترة القادمة مع استمرار التوتر. ومجموعة بي إيه إي هي المنتج الرئيس لقذائف المدفعية 155مم التي تستخدم في أغلب أنواع المدافع، خاصة مدافع الهاوتزر والتي يستخدمها الجيش الأوكراني على نطاق واسع بعد تلقيه مدافه هاوتزر أميركية وألمانية وفرنسية في الأشهر الماضية.

ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا أرسلت بريطانيا نحو 16 ألف خزنة طلقات مدفعية و20 مدفعا من طراز إم109 لكييف. كما شحنت الولايات المتحدة إلى كييف منذ بدء الحرب ما يصل إلى 806 آلاف خزنة طلقات مدفعية ضمن المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول في البنتاغون قبل ثلاثة أشهر أن مستويات الذخيرة في مخزونات الجيش الأميركي وصلت غلى مستويات مقلقة.

وبالتالي زادت الطلبيات على شركات الصناعات الدفاعية الأميركية مثل لوكهيد مارتن ورايثيون ونورثورب جرومان في الأشهر الأخيرة. وتستفيد تلك الشركات بالقدر الأكبر من نحو 40 مليار دولار اعتمدتها إدارة الرئيس جو بايدن بمساعدة أوكرانيا منذ بدء الحرب حتى الآن. هذا بالاضافة طبعا إلى الزيادة في ميزانية الدفاع الأميركية للعام المالي القادم التي اقرت مؤخرا بأكثر من ثمانمئة مليارات دولار.

ولأن تصنيع تلك الذخائر يأخذ ما بين عام وعام ونصف، من تاريخ الطلب حتى تاريخ التسليم، تتوقع تلك الشركات زيادة كبيرة في نشاطها في العامين القادمين بغض النظر عن مدة استمرار الحرب في أوكرانيا. وهذا ما جعل المستثمرين يقبلون على شراء أسهم شركات الصناعات الدفاعية متوقعين ارتفاع عائداتها وأرباحها بعشرات مليارات الدولارات. وفي الوقت الذي تتراجع فيه مؤشرات الأسواق الأميركية، ارتفعت قيمة اسهم شركات الصناعات الدفاعية بما بين 15 و20 في المئة.  

بينما تشهد ساحة الحرب في أوكرانيا مصائب تطال الأرواح والممتلكات، ويخسر كثيرون حول العالم من تأثيرات الحرب والعقوبات المفروضة على روسيا، هناك بالطبع من يستفيد كما يشير القول الشائع "مصائب قوم عند قوم فوائد".

لا تقتصر فوائد الشركات المصنعة للأسلحة والذخيرة على زيادة عائداتها وارباحها وما يعود من ذلك على حملة الأسهم في صورة عائدات استثمار. بل إن التوسع في النشاط نتيجة زيادة الطلبيات يعني أيضا توفير فرص عمل جديدة بالآلاف وإضافة خطوط انتاج جديدة لبعض الأنواع لتلبية احتياجات الجيوش.

هناك فوائد من الحرب على قطاعات أخرى، على ىسبيل المثال زادت شركات الطاقة الأميركية الكبرى صادراتها للدول الأوروبية بنحو 20 في المئة مع انخفاض امدادات الطاقة من روسيا سواء نتيجة العقوبات أو قطع روسيا امدادات الغاز. وبالطبع عاد ذلك على شركات الطاقة الأميركية بالمليارات خاصة وأن الزيادة كانت في صادرات الغاز الطبيعي المسال وهو أعلى سعرا بكثير من الغاز الطبيعي عبر الأنابيب. لكن تظل الفائدة لشركات الصناعات الدفاعية أهم على المدى الطويل، ففي النهاية أسعار الطاقة تتذبذب واحتياجات أوروبا الكبيرة الآن مؤقتة.

فإذا كانت شركات الصناعات الدفاعية في روسيا وأميركا ومع بريطانيا وغيرها تستفيد من الحرب واستهلاك الأسلحة والذخائر فيها، فإن الخسائر من الحرب أكبر بكثير من تلك الفوائد. حتى لو حسبنا الاستفادة المؤقتة لشركات الطاقة العالمية الكبرى وأيضا بعض الشركات التي تعمل في خدمات تعويض خسائر الحرب.

ذلك لأن تأثير الخلل في التجارة العالمية، خاصة من العقوبات التي تتصاعد على روسيا وتطال مصالح دول كثيرة حول العالم، لن يكون مؤقتا. والأرجح أن يستمر تأثير تلك المصائب، حتى بعدانتهاء الحرب والبدء في مفاوضات لتسوية سياسية. خاصة وأن الأزمة التي سببتها الحرب الأوكرانية للاقتصاد العالمي جاءت مباشرة بعد أزمة وباء كورونا وقبل أن يتعافى الاقتصاد العالمي من تبعاتها.

ربما كانت مصائب قوم عند قوم فوائد، حتى فيما يخص أطراف الصراع مباشرة لكن بقية العالم سيظل يعاني من آثار الأضرارا أكثر من المنافع لفترة طويلة.