والتوقف عند تلك المفردات لانتقادها لا علاقة له بحقوق المرأة وحملات "النسوية" أو القيم والأخلاق والمرتكزات الدينية، ولكن من باب دلالات السلوك الاجتماعي وقياساته بدءا بمن يفترض بهم أن يمثلوا الشعب أو يتولوا مسؤوليات إدارة شؤونه.

فالتغييرات التي شهدها ويشهدها لبنان، وترتبط بالوضع الاقتصادي، تحمل في طياتها هذه الدلالات التي تدفع بالمنظومة إلى اعتماد وسائل غير مألوفة لردع من يحاول التصدي لها. لذا شهد مجلس النواب اللبناني في الفترة الأخيرة، ظواهر أقل ما يقال فيها أنها مقيتة، ولا تليق بالمؤسسة المسؤولة عن تمثيل الشعب في التشريع وسن القوانين وتعديلها وفقاً لمصلحة الدولة العليا ومصالح المواطنين، لا سيما الأكثر هشاشة وهامشية، بما في ذلك النساء والأطفال والطبقات الاجتماعية المسحوقة.

وهذه الظواهر لا ينبغي أن تكون مستغربة إذا ما صدرت عن نواب كل مزاياهم ان انتخابهم جرى بتكليف شرعي طائفي، وبعضهم كان زعيم زقاق أو مدير مركز تعذيب تابع لأحدى ميليشيات الحرب الأهلية.

وسبب وصول هؤلاء هو مواجهة الوعي لدى شرائح واسعة من اللبنانيين بعد وصول البلد إلى جهنم.

هذه المواجهة أربكت منظومة الحكم فكان يجب الالتفاف عليها في صناديق الاقتراع، بفرض هذه النماذج ممن قدموا سابقا الولاء إلى أمراء الحرب وقادة الميليشيات، ما يعني انهم لا يتورعون عن القيام بكل ما يطلب إليهم لاستمرار المنظومة بالتحكم، بمواجهة نواب خارجين عن فروض الطاعة.

بالتالي، فإن أجواء الاستقواء التنمّر والبذاءة التي سادت الجلسة التشريعية ما قبل الأخيرة تعكس مفردات الاستقواء الذكورية.

بداية، ورغم التطور العملي والتقني الا ان المرأة لا تزال محتقرة حتى في الاستخدام اللغوي، الذي يعتبرها أداة شتم للنيل من رجل بشرفه وعرضه، على أساس ان الشرف والعرض يكمنان في "عفاف" للنساء، وتحديداً مع التدهور الذي تعيشه بعض المجتمعات العربية المسحوقة بالقمع والتردي الاقتصادي والأمني، ما يجعل الافراط في الذكورة المتضخمة وتحجيم النساء واعتبارهن وسيلة لـ"فش الخلق" والتنفيس عن الغضب المكبوت رداً غرائزياً على القمع والظلم، عندما لا يُترك للضعيف الا ان يستقوي على الأضعف.

ولعل الجرائم ضد النساء، لا لسبب إلا لأنهن نساء، تعكس هذا التدهور، كما تعكس المفاهيم الاجتماعية المرافقة له، والتي يُصار إلى تعزيزها لإلهاء الناس عن حقوقهم الفعلية.

فيصبح ما يصيب هذه الضحية هو عقاب لها، لجرم ارتكبته. وغالبا ما تكون الأحكام السلبية جاهزة ليتبناها المجتمع ويروج لها، وكأنه بذلك يبرر تقصيره الجماعي في حماية المرأة.

حتى أهالي الضحايا يخافون من أي عار قد يلحق بالمعتدى عليها، وعوضا عن المطالبة بمعاقبة المعتدي، يجد هؤلاء أنفسهم في موقع الدفاع عن الضحية من اعتداء آخر قد يلحق بها.
والمحزن أن يترافق أي خبر متعلق بالاعتداء على النساء مع سؤال "ماذا فعلت الضحية؟". الأمر رافق أكثر من نائبة، ممن صنفوا "نواب التغيير" في البرلمان اللبناني، وذلك بالدخول إلى حياتها الخاصة وتشويه سمعتها للنيل من مواقفها، او بالسخرية من ملابسها أو بإسكاتها بالزجر وما إلى ذلك.

مثل هذا السلوك الصادر ممن يفترض أنهم زملاء، يؤكد أن المرأة لا تزال حرفاً ناقصاً في وعي فئات واسعة من الرجال والنساء على حد سواء، لغياب القوانين التي تمنع التمييز ضدها، ليس بسبب التطبيق غير الدقيق لما ورد في النصوص الدينية، وانما بسبب التربية الذكورية التي تكرس نظرة دونية للنساء، والتي تجعلهن لا يجدن الأمان إلا في ظل رجل.

قد نجد من يقول إن العنف ضد المرأة ليس حكرا على المجتمعات العربية والإسلامية، وقد يستشهد بتقارير عالمية تفيد بأن ثلث النساء على امتداد الكرة الأرضية، يتعرضن للإيذاء، ويصمتن، وواحدة فقط من كل 10 ضحايا تبلغ الشرطة طلباً للمساعدة. ويشير إلى فضائح التحرش والعنف التي تحصل في الدول الغربية.

لكن في هذه الدول، وتحديدا لجهة الفضائح التي تتعلق بمشاهير ارتكبوا جرائم التحرش والاغتصاب والعنف، فهي تقضي عليهم معنويا ومهنيا، عدا الملاحقة القانونية. لأن القوانين فيها تنصف المرأة وتحميها إلى حد ما.

أما في لبنان، فالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية التي تفترض محاسبة أهل السلطة، وتصحيح الخلل الناجم عن رهن البلاد لمشاريع خارجية، تستخف بالقانون وضرورة تطويره وفي معقله التشريعي. وكأن المطلوب أن يبقى "شرف المرأة زي عود الكبريت"، ليس ليشتعل مرة واحدة حيث توجب العادات والتقاليد والقيم المتوارثة، ولكن ليستخدم كأداة من أدوات افتعال الحرائق التي تتيح للمنظومة والمحور المتحكم بها الاستمرار بفرض النفوذ والسيطرة.