وتندرج العملية في رغبة إدارة بايدن استعادة هيبتها وترميم صورتها بعد الانسحاب العشوائي غير المدروس قبل نحو عام من أفغانستان، حيث تراجعت شعبية بايدن لأدنى مستوياتها عند الشعب الأميركي وداخل الحزب الديمقراطي، والتي بدأت بانسحابه من أفغانستان، وفشله في إدارة الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار الطاقة، ويحاول بايدن مجدداً كسب مزيد من ثقة الناس وإعادة شعبيته المهتزة، من خلال قتل أهم رمز لتنظيم القاعدة الإرهابي.

سيحاول الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته استثمار هذا الإنجاز الكبير بقتل زعيم أكبر تنظيم إرهابي يتمثل بالقاعدة أيمن الظواهري، ليكون رصيداً هاماً في مواجهة خصوم الحزب الديموقراطي، مع اقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس، في وقت تراجعت فيه شعبية بايدن، واحتمال هزيمة الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، ولهذا قال بايدن، في كلمة ألقاها بمناسبة قتل الظواهري "إن الظواهري كان مسؤولاً عن مقتل العديد من الأميركيين في هجمات مختلفة وإن العدالة تحققت بعد مقتله"، وأضاف الرئيس الأميركي "أن الولايات المتحدة مستمرة في تعقب وقتل الإرهابيين في جميع أنحاء العالم"، كما أكد الرئيس جو بايدن بأنه يأمل أن يساعد مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر من عام 2001 على طي الصفحة"، على هذه الهجمات التي خطط لها تنظيم القاعدة وزعيمه حينها أسامة بن لادن الذي خلفه الظواهري.

ثمة رسائل تمثلها عملية قتل الظواهري، ومنها، قوة الذراع العسكرية الأميركية الطويلة، كما أن مقتل الظواهري سيمثل نهاية الجيل المؤسس لتنظيم القاعدة الإرهابي، لكنها ستؤدي إلى بروز قيادات شابة تدير وتخطط لعمليات ونشاط التنظيم في المستقبل، واعتبر المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية تشارلز دان، الخبير حاليا بمعهد الشرق الأوسط- أن "قيمة الظواهري تنبع من كونه هو من قام بتنمية العضوية لتنظيم القاعدة وجذب الكثيرين للانضمام إليه، لكن تأثيره العملياتي كان محدودا للغاية، وتحت قيادته خسر تنظيم القاعدة الكثير من أعضائه لصالح داعش"، واشار إلى "إن الضربة التي قتلته هي ضربة نفسية لتنظيم القاعدة، وعقبة تنظيمية رئيسية أخرى، إلا أنها لا تنهي التهديد.

وقد نشر موقع مؤسسة كارنيغي للسلام في أميركا تقدير موقف للدبلوماسي السابق أرون ديفيد ميلر أنه "لم يكن من المستغرب أن تظل العلاقات بين طالبان والقاعدة قوية والروابط التاريخية عميقة، ولدى كبار مسؤولي طالبان -وخاصة سراج الدين حقاني القائم بأعمال وزير الداخلية الأفغاني وأحد الإرهابيين المصنفين من قبل الولايات المتحدة- علاقات وثيقة مع قادة القاعدة".

في مقابل ذلك يمكن طرح سؤال هام وجوهري حول عمليات اغتيال بعض قادة التنظيمين الإرهابيين، القاعدة وداعش بين فترة واخرى، هل تندرج في إطار استراتيجية أميركية راسخة للقضاء على منابع الإرهاب وتجفيفها، أم أنها موسمية لخدمة قضايا انتخابية للإدارات الأميركية المتعاقبة وكسب أصوات أميركية؟

يلحظ المتابع بأن تنظيم القاعدة الإرهابي فقد الكثير من زعمائه التاريخيين، ولهذا تراجعت فعاليته لكنه لم يغب عن المشهد بشكل كامل، واستطاع تدوير الحضور الجغرافي في أماكن عديدة في العالم، وثمّة أجنحة للقاعدة وزعماء وقادة محليين في بلدان مختلفة في قارة إفريقيا وفي الساحل الافريقي في الصومال وجنوب شرق آسيا أكثر فعالية ونشاطا من خلايا التنظيم الإرهابي، التي نمت في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي غير الممنهج منها قبل نحو عام مضى، وخير دليل على ذلك مقتل زعيم القاعدة الظواهري في كابول، وعلى المدى القريب لن يستطيع تنظيم القاعدة الإرهابي القيام برد عسكري واستهداف مصالح الولايات المتحدة للانتقام، لاغتيال زعيم القاعدة أيمن الظواهري قبل أيام.

وبعد إدانة حركة طالبان التي تسيطر على أفغانستان لعملية قتل الظواهري واعتبار ذلك بمثابة اعتداء على سيادة أفغانستان، من الممكن زيادة دعم القاعدة من قبل الحركة، وتالياً ارتفاع وتيرة نشاط التنظيم الإرهابي في المستقبل في مناطق عديدة من أفغانستان.

في الختام تعتبر عملية إدانة طالبان لمقتل الظواهري بمثابة اصطفاف إلى جانب تنظيم القاعدة الإرهابي، الأمر الذي يتطلب من إدارة بايدن إيجاد السبل لفك عرى العلاقة بين طالبان وتنظيم القاعدة، وقد تحصل تشظيات داخل حركة طالبان، نظراً لأن أميركا حصلت على المعلومات الدقيقة عن مكان الظواهري من جهة محلية أفغانية وعلى اطلاع حول مكان ووجود وتحرك زعيم القاعدة الظواهري، وهو ما سيلقي بظلال الشك داخل الأجنحة في حركة طالبان، وسيلقي مسؤولية على قيادة الحركة، ولهذا قد تشهد طالبان انشقاقات واغتيالات وعملية اصطفافات جديدة، وهذا سينعكس بدوره على تنظيم القاعدة الإرهابي.