خروج روسيا من محطة الفضاء الدولية، وقبله انفراد الصين بمحطتها الفضائية المستقلة يعيدنا في السماء الدنيا إلى حرب نجوم ريغان، لكن بأقمار كمية وأسلحة أحدث وأخطر.

كانت الصفة الدولية لمحطة الفضاء صمام أمان، إذ جمعت ممثلي الحلفاء والأنداد و(الأعدقاء) لينشغلوا بالأبحاث العلمية في الزراعة والفلك والطب والتكنولوجيا، أما وقد افترق المعسكران وعدنا إلى التعددية القطبية في تسارع بشع في فوضويته، فقد انبرى كل طرف يجري أبحاثا مارقة في عرف الآخر، ربما تضمنت تحديد أهداف لألعاب الحرب وربما إجراء تجربة عكسية تزيد من توتر الأجواء المشحونة أصلا.

هذه التجربة العكسية، فرضا، هي بخلاف إطلاق الصواريخ من الأرض لتدمر قمرا صناعيا خارج الخدمة، أو تبلغ أضعاف سرعة الصوت، سوف تتضمن تجربة تطبيق بروتوكول (صفر إطلاق) zero launch، وذلك بتحديد الأهداف من أحدث أنواع العتاد الوطني، ومزامنة إطلاق صواريخه مع تدخل صاروخ آخر أو شعاع ليزر من الفضاء، ليدمر المقذوف الأرضي ومنصة إطلاقه في لحظة الإطلاق، قبل حتى بلوغه مرحلة التسارع الأولي.

أمام هكذا افتراض، يتزايد القلق في الغرب من تضافر جهود صينية-روسية لأبحاث منعزلة وفائقة السرية، تفضي إلى تشكيل ردع يصعب جدا استباقه، في ما يشبه المقصلة الفضائية المسلطة على الدوام ضد أهداف معادية، في دور شبيه بما كانت تقدمه للولايات المتحدة وكالة الأبحاث والمشاريع الدفاعية المتقدمة DARPA الملهمة حصريا على مدى عقود لمثل هذه الأفكار المحاكية للخيال العلمي.

أما على الأرض، فتؤسس الآن رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي بزيارتها لتايوان محجّة تضامنية لنفس الفئة من زعماء وساسة الغرب الذين تعاقبوا على أوكرانيا حتى وضعوها والعالم في مأزق هي ومحاصيلها الغذائية مع وقود روسيا، فهل يعيدون الكرّة ويدفعون بتايوان إلى ذات المصير، هي وأشباه موصّلاتها وآلاف المنتجات المعتمدة عليها؟

حذرت الصين بريطانيا من مغبّة زيارة وفد برلماني لتايوان في إثر بيلوسي، وهو تحذير بعد تراكمات اشتدت منذ أحداث هونغ كونغ وتوّجتها استعراضات مرشحي خلافة بوريس جونسون حول مواجهة الصين، وقد تكون بريطانيا حاليا بالنسبة للصين في وضعٍ مواتٍ لاتخاذ موقف جديد غير مسبوق بين دولتي فيتو شرقية وغربية، يفيد في نقل الارتباك الساخن إلى الغرب، ويشتت تركيزه على الحليف الروسي، ويؤسس لعملية ليّ ذراع عكسية متكافئة، إن لم تكن أكثر تفوقا.

هذا اختبار لسياسة مزمنة تبنّتها الدول السبع الكبرى تجاه شعوبها والعالم، بصفتها اقتصادات متقدمة تقودها ديمقراطيات ليبرالية، إذ سعت لإثبات جدواها الأبدية لشعوبها في التقدم الاقتصادي و"تحرير" مجتمعاتها ومجتمعات أخرى قدر المستطاع لصالح أسواقها، وكل ذلك في مواجهة اقتصادات متقدمة أو نامية بسرعة وثبات لكنها بقيادة أنظمة شمولية أو شبه شمولية، أثبت أداؤها المتميز في الظروف والأزمات تمكّنها من اجتياز الصّعاب بذات القدر أو أفضل من الدول السبع الكبرى ومن في حكمها.

للدول السبع الكبرى الحق في الدفاع عن موقعها الحالي على القمة، إذ لم يتنازل قط صاحب المركز الأول في لعبة الأمم عن صدارته بصمت، لكن الانضباط والاستنفار ووحدة الهدف من صفات الأمم المتوحشة، حسب رأي ابن خلدون، فتتغلب على الأمم الوادعة التي تترك المهمات لتنشغل بالتوافه، أو تغطي تهافتا داخليا بمغامرات خارجية.