وكان الراحل الكبير في ترحابه بالناس وقبوله للآخر قد شكل جوار أمنٍ لكل لافٍ، شابه فيه عهدة السموأل الأزدي، السيد العربي اليهودي، في وفائه ومنعته، رغم الظروف، فكأن لسان حال الأول ما قاله الثاني في شعره الجاهلي (وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا.. عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ).

ومع تفعيل الأدوار الدبلوماسية المتبادلة للدول الثلاث - الإمارات والبحرين وإسرائيل - مؤخرا عن طريق السفراء، بعد تأخرها بسبب الجائحة والتحضيرات اللازمة، فإن الظروف الآن مواتية لتبادل المنافع.

من باب متابعة التطورات الإقليمية، أجد دافعا للربط ما بين عدة أمور، ربما تسهم في زيادة أهمية التعاون وتسريع وتيرته، تحقيقا لفوائد تحوطية تحول دون حدوث خسائر مستقبلية للجميع.

لمعهد الهولوكوست والمذابح، الذي تأسس في 1979، باع طويل في التأريخ والتأطير لجرائم الفكر النازي التي قتل بسببها ملايين اليهود، ولديه أرشيف قضايا ومحاكمات مجرمي الحرب الملاحقين من ضباط هتلر وحراس معسكراته.

من ذلك كله، تستفيد الدول العربية، انطلاقا من جهود باحثين من الإمارات والبحرين وسائر الدول العربية وحتى غير العربية التي عانت من فكر وحراك التأسلم السياسي وشيعت ضحاياه، أن تبني إطارا عاما محكما لتجريم الفكر المتدين المسيس، الذي يخفي عسكرة حراكه وراء دعاوى الجهاد وتجيير النصوص الدينية لشرعنتها، وأن يضع التفاصيل والمبررات لمطاردة الرموز القائدة لهذا الحراك، الناشطة والتي شاخت وتنتظر الزوال، لمعاقبة الأحياء ودحض الإرث الفكري للأموات أو من شارفوا على الموت. ويكون من بواكير جهود هذا النشاط، عند اكتماله، ملاحقة الأفراد والمؤسسات قانونيا، وتجريم عملهم سرا وعلانية، والقبض على هاربيهم ولو كانوا في الأرجنتين مثل ضباط الرايخ الثالث.

أيضا حبذا الاستعانة بشركة راموت، الرائدة في مجال المعالجة التجارية لمخرجات الملكية الفكرية من جامعة تل أبيب، في وضع أطر تسجيل وتسويق ابتكارات الجامعات الوطنية والخاصة الواعدة في الإمارات والبحرين، ورفدها بشركات ناشئة تبيع ابتكارات ولدت في أروقتها ومختبراتها، إذ ليس بالضرورة أن تكون المخرجات اختراعات متكاملة، بل قد تكون ابتكارات جزئية ضمن أجهزة ومعدات موجودة وشائعة الاستخدام، أو عمليات هندسية وصناعية مبتكرة يمكن إحلالها محل عمليات جزئية قائمة، تكون هي أجدى وأنفع ويعود تبنيها بالربح على الجامعات وأصحاب الجهود فيها.

وأختم بالدعوة إلى إنشاء معاهد لتعليم اللغة العبرية، بإشراف مدرسة روثبرغ الدولية التابعة للجامعة العبرية، وهي المدرسة الأكبر لتعليم هذه اللغة على مستوى العالم، على غرار أفواج المتقنين للإنجليزية الذين خرجهم لعقود طويلة المجلس الثقافي البريطاني، وتكون هذه المعاهد محورا للتبادل الثقافي المعاصر.

للسموأل بيت من ذات القصيدة التي اقتبست منها في مطلع المقال، أزفه لأبناء عمنا إسحاق، كأنه ضمانة لأخلاق حكامنا نرجو دوام مثلها من حكامهم على تعاقب الحكومات لديهم: (إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ.. قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ).