ولاريجاني لم يحط بالمنطاد على خفايا نظام بلاده. بالتالي هو يعرف إستحالة تلبية طلبه الحصول على تقرير رسمي وعلني وشفاف للأسباب التي أدت إلى إستبعاده، حتى لو استنجد واستشهد في طلبه هذا بالمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي. ويعرف أيضا عبثية تأكيده عدم صحة التقارير التي قُدمت عنه وعن عائلته إلى مجلس صيانة الدستور.

لعله نسي أن إعداد التقارير والوثائق والمستندات الكافية غلب عليها الطلب لإحكام القبضة على قرارات ليس من المفروض نقضها، هو من الإبداعات التي تنبذ كل ما هو علني وشفاف. وليس ضروريا أن يتولاها رأس الهرم، لأن الحكمة تقتضي ترك خط الرجعة مفتوحا بما لا يحرجه عندما تتطلب مصلحة المشروع ذلك.

ربما كان على لاريجاني أن يكتفي بما أعلنه المرشد الإيراني في وقت سابق، من أن "بعض المرشحين وعائلاتهم تعرضوا للظلم عند رفض أهليتهم"، لعل وعسى.

وإذا كان محسوما فوز رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، الحليف المقرب من خامنئي بالرئاسة. حينها يصبح تَظلُّم لاريجاني صرخة في واد، لا ارتداد لها غير الصدى.

ولاريجاني الممنوع من الترشح، لا يحق له السؤال عن الشفافية، وهو شاهِدٌ على حظر السلطات الإيرانية تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية، بعد تحذير رجال الدين في البلاد من مخاطر "الغزو الثقافي" الغربي، في يناير 2018. وذلك لخوفهم من مفاعيل هذا "الغزو"، المستحيل شل قدرته، إذا ما تفشى، على فتح أبواب المعرفة التي تصل ليس فقط إلى الصين وإنما إلى المريخ، وتدحض ثقافة القمع والتجهيل الضامنة لـ "كرامة وعزة البلاد".

وفي السياق ذاته تندرج أدانة البرلمان الإيراني، قبل أيام، الرئيس حسن ‎روحاني وإتهامه بأنه "انتهك مبادئ الدستور وخالفها"، لتوقيعه على "وثيقة اليونسكو 2030" في أبريل 2016، وحصوله على موافقة الحكومة على تنفيذها باسم"وثيقة جمهورية إيران الإسلامية الوطنية للتعليم 2030: المضي نحو التعليم الجيد والتعلم مدى الحياة".

ورفض الإلتزام بـ"اتفاقيات المؤسسات الخاضعة لتأثير القوى الإمبريالية" بحسب المرشد الأعلى، مبرر لأن نظامه "ليس مكاناً يخترقه أسلوب الحياة الغربي المعيب والمدمر والفاسد".

وهذا الرفض لا يتناقض مع محاولات إيران التوصل إلى إتفاق نووي مع هذه القوى الإمبرالية. لكنه يستوجب، بالمقابل، إجراءات تندرج تحت قائمة ضروريات صيانة المشروع التي تتطلب تنظيف الساحة باستمرار تجنبا لأي أتٍ أعظم.

لذلك، من البديهي ان تستوجب عملية التنظيف المستدامة سقوط ضحايا، وتحديدا عندما يتعلق الأمر بالإرهاب المتمثل بمظاهرات الجياع. حينها يرتعد النظام ويخاف دخول المؤامرة عبر أصوات المحتجين، ويسارع بالحديد والنار الى كم أفواهم بغية وأد "الفتنة" والقضاء على من يثيرها.

ولا تتضارب عملية التنظيف مع استراتيجية تجاهل بعض المستجدات العابرات، وكأنها لم تكن، حتى عندما تتعلق بتغلغل النفوذ الإسرائيلي إلى أجهزة المخابرات والأمن في إيران، ونجاح الموساد بتنفيذ عمليات كبيرة داخل طهران، والإستيلاء على أهم الوثائق النووية والفضائية من مراكز حساسة، على ما كشف الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، المرفوض بدوره من مجلس الصيانة والدستور، معلنا أن كبير مسؤولي مكافحة التجسس كان جاسوساً لإسرائيل.

والأمر لا يضير النظام الذي يهمه أن يبقى الإيرانيون، كما غيرهم من الدول المشمولة بالمشروع، تحت السيطرة.

فالتهديد الفعلي من النظام مصدره الخيانة العظمى التي تتجلى بتآمر أعداء الداخل مع الشيطان الأكبر.

في الأساس كل من يقول "لا" هو خائن متآمر وناكر للجميل، سواء أجاد الإنكليزية او تحدث بلغة الإشارة عن جوعه وافتقاده الى الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم. ما يفرض اعادته الى رشده بكل الوسائل القمعية الجذرية حفاظاً على مصلحته قبل أي معطيات أخرى.

من هنا، الأولوية لصيانة المشروع قبل صيانة الدستور، حتى لا يتسبب أي إهمال بتقويض لحظة وصول اللقمة الى الفم مع احتمال تتويج الانتصارات الإقليمية بحصص وازنة في البازار الدولي الحامي الوطيس.

لذا لا يهم أن يُصدِر مركز أبحاث البرلمان الإيراني تقريرا يشير فيه أن نسبة الفقر في البلاد تتراوح بين 23 و40 بالمئة وأن نسبة 16 بالمئة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر.

أو أن يصنف البنك الدولي 40 بالمئة من السكان البالغ عددهم 40 مليونا، فقراء. أو أن يؤكد تقرير إقتصادي أن نسبة الفقراء وصلت إلى 41 بالمئة من عدد السكان السوريين. وفي اليمن، فالكارثة مهولة مع نسبة فقر وصلت 75 بالمئة وفق الأمم المتحدة.

ووصولا إلى لبنان، حيث تقدر نسبة الفقراء بنحو 55 بالمئة من إجمالي السكان، والخير لقدام.

لعل هذا هو المطلوب لصيانة المشروع، أما الدستور فمقدور عليه.