تلك المشاورات السياسية استمرت ليومين حيث بدأت في القاهرة برئاسة حمدي لوزا، نائب وزير الخارجية المصري، ونظيره التركي، سادات أونال.

وقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن تلك الاجتماعات في بيان صدر في وقت متأخر من الثلاثاء الماضي.

ووصفت الوزارة تلك المحادثات بأنها "مناقشات استكشافية" من شأنها أن تركز على "الخطوات اللازمة التي قد تؤدي إلى إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها السابقة"، ولم يخض بيان الوزارة في مزيد من التفاصيل.

يُذكر أن مصر وتركيا كانتا على خلاف منذ إطاحة ثورة 30 يونيو 2013 بالرئيس الراحل محمد مرسي، الذي ينتمي لجماعة الإخوان، والتي حظيت بدعم كامل من تركيا.

وقد صنفت مصر تلك الجماعة جماعة إرهابية. ولكن وفي الآونة الأخيرة أشار كبار المسؤولين الأتراك إلى تحسن العلاقات مع مصر، في تحول عن نهجهم المنتقد بشدة لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وفي الـ 12 من مارس الماضي، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن البلدين أجريا اتصالات "استخباراتية ودبلوماسية واقتصادية"، مضيفا أنه يأمل في عودة العلاقات بين البلدين إلى قوتها السابقة.

من جانبهم، يقول المسؤولون المصريون إن على تركيا أن تتخذ خطوات جوهرية نحو محادثات "حقيقية" لإصلاح العلاقات بين البلدين.

وقالوا إن تلك الخطوات تشمل رحيل مئات القوات التركية وآلاف المرتزقة السوريين الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا، فضلا عن تسليم الإسلاميين المطلوبين لدى مصر بتهم تتعلق بالإرهاب.

وقد تم الإعلان قبل ساعات إن مصر طالبت بتسليم يحيى موسى وعلاء السماحي، المتهمين في عدد من الجرائم الإرهابية، لكن تركيا طلبت التمهل، مع الاشارة هنا أن تركيا علقت عددًا من أنشطة الإخوان لكن القاهرة طالبت بإجراءات دائمة، فضلاً عن رغبة تركيا في تنفيذ المطالب بشكل تدريجي على مرحلتين.

العناصر الإرهابية المذكورة أهمها كما ذكر سابقا يحيى موسى، وهو متهم باغتيال النائب العام السابق هشام بركات، ويقيم حاليًا في مدينة إسطنبول التركية.

أما علاء السماحي فهو أحد قيادات الإخوان الهاربين من مصر والمقيم في تركيا، وهو مؤسس مجموعات إرهابية تابعة للجماعة مثل حركة "حسم"، و"لواء الثورة".

أما المسؤولون الذين تطالب مصر تركيا بتسليمهم فلم يتم التأكد بعد من حقيقة سفر عضو مجلس شورى الجماعة وعضو البرلمان المصري المنحل عام 2013 جمال حشمت، والقياديين محمد الشهاوي وسعيد حسن إلى كندا حيث تفرض السلطات التركية على هذا الأمر قيودا صارمة.

وكذلك ما تفرضه قيادات الإخوان من سرية على تحركاتها مع الإشارة إلى أن السلطات الكندية أشارت في بيان رسمي إلى دخول القيادي سعيد حسن إلى أرضها ووفاته فيها قبل أسابيع قليلة.

وكذلك فإن الحكومة التركية طالبت في وقت سابق عددا من قيادات الصف الأول بتنظيم الإخوان بمغادرة البلاد، وعلى رأسهم الأمين العام للتنظيم محمود حسين، وقيادات محسوبة على "لجنة إدارة الإخوان مثل مدحت الحداد وصابر أبو الفتوح وأحمد شوشة ومحمد عبد المعطي الجزار ومحيي الدين الزايط.

كل ما سبق لم يكن محل ترحيب من المعارضة التركية حيث أعلن تمل كرم الله أوغلو، رئيس حزب السعادة التركي المعارض، استقبال وفد من جماعة الإخوان بقيادة همام علي يوسف، عضو مجلس شورى الجماعة، وعدد من قيادات الإخوان في خطوة لافتة وكاشفة لحجم الخلافات بين الجماعة والنظام التركي الحاكم، دون توضيح تفاصيل اللقاء وسببه وأهدافه.

لكن القيادي في الجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد والهارب لتركيا أعلن عن استعداد جناح من الجماعة وتخطيطه للمواجهة، تحسباً لغدر السلطات التركية وأردوغان، وكشف عن وجود تحالف سري بين الإخوان وحزب السعادة التركي المحسوب على الجماعة وتعاونهم معا لإسقاط أردوغان وحزبه أو وقف ما يلجأ إليه الرئيس التركي من قرارات ضدهم قد تصل لإبعادهم عن البلاد.

وهذا يدل بوضوح على أن الإخوان بدأوا يفقدون بوصلتهم وبدأوا يتسألون هل ستغلق تركيا قنواتهم وتطرد العاملين فيها أم أنها سترحلهم أو تسلمهم لبلدهم؟

خلاصة القول إن "الحكومة التركية وصلت إلى قناعة بأنه يجب عليها أن تقوم بترحيل أعضاء جماعة الإخوان من تركيا في إطار تصحيح المسار، وتأكد لنا كمراقبين أن التصريحات الرسمية التركية لم تكن مناورات سياسية ولا جاءت من أجل الاستهلاك الإعلامي، بل جاءت بعد أن بقيت تركيا وحيدة في المنطقة، إضافة بالطبع إلى مكانة مصر المهمة في المنطقة التي قد تكون، أي مصر، الطريق الأصلح لتركيا لتوصلها إلى إصلاح علاقاتها مع الدول العربية الأخرى كالسعودية والإمارات وحتى يستوعب النظام التركي ما اقترفت يداه من أخطاء سياسية قاتلة.