وضع الهند داخل مربع الصين-إيران-الخليج-أميركا يدفعها للتلويح بالتخلي عن نفط الخليج، وهذا واقع يجب مغادرة الخليج له إلى منتج انتقالي يليه منتج مستدام، يحافظان على المديين المتوسط والبعيد على مستوى المعيشة وأسلوب الحياة اللذين حققتهما التنمية الريعية لحد الآن، وهذا المنتج يجب أن يضاف إلى الهيدروجين الذي بدأ تصديره من أرامكو مؤخراً، ويترك التفكير فيه للمتخصصين.

في الوقت نفسه، من الضروري حصر مواقف الابتزاز المحتمل ورسم خيوط الالتفاف والتجاوز، بغية تصميم محطات لا يمكن تجاوزها في التعامل مع الخليج.

البراغماتية المُرغِمة هي ما ينقصنا، وهي التي ستكسبنا الوقت وتؤمن مصالح سلعنا الاستراتيجية تجاه كتلة حلفاء تقليديين في الغرب تسعى للاستغناء عن جيوسياسية النفط ومنابعه، وكتلة شراكة اقتصادية متجددة في الشرق يحاول بعض أعضائها تضخيم وزنهم الجيو-اقتصادي قبل أوانه.

 يقتضي مبدأ تنمية الأهمية لدول المنطقة أن تلتقي بمصالح الحليف والغريم عند نقطة النهاية، متحسبة للتقلبات أو الغدر من أحدهما أو كليهما.

ولفترة من الزمن، احترم العالم أخلاق الفرسان وشرف الكرام في دول الخليج، ولا ضير أن يضاف إلى ذلك خشيته من سرعة استجابة هذه الدول وإعادة تموضعها وتأقلمها حيال أي مساومة على مصالحها فقط لأن دولةً ما ترى مصلحتها هي الأهم. فالمطلوب الكسب الثنائي وليس الأحادي، والفوز المزدوج بين الدول.

آنتويرب البلجيكية تضم بورصة الماس الأولى وليس في أرضها ماس، وفي السعودية معادن نادرة يمهد استخراجها لجدوى إنشاء بورصة دولية لها، في واقع تملك فيه الصين حالياً 90 في المائة من احتياطاتها القابلة للاستخراج، وتلوح بحرمان الغرماء من شرائها عند اللزوم، وهي التي تحتاجهم كمشترين لسلعها، وهم الساعين للاستغناء عنها إن أمكن. هذه البورصة بحاجة إلى كيان منظم لسلعها - أوبك للفلزّات.

دور الطاقة القادم هو تخضير استخراج وتكرير وإنتاج المشتقات النفطية، لكنه في حكم العلم الحديث مرحلة مؤقتة لحين إحلال بدائل تامة محل الذهب الأسود، وفي هذه المرحلة المؤقتة علينا تطبيق التحول المتزن بين التدريج والتسارع الممكن، لنبلغ معدل التأمين الاقتصادي ضد الصعود المفاجئ لجدوى ثروة لدينا بعضها على حساب ثروة لدينا الكثير منها مع تناقص الحاجة إليها حينئذ.

على صعيدٍ آخر، من المفيد تشكيل تعاون سيبراني مع الصين، لأن تأهيل الغرب لكوادرنا لا بد مشروط، ولأن الصين بحاجة إلى تنمية وترسيخ سوق سيبرانية توسع بصمة ومعدل تبنّي منتجاتها الإلكترونية الذكية، في منطقة تزول عنها قدم أمريكا إرادياً في عهد بايدن. هذا يؤهل المنطقة للوساطة السيبرانية إذا اشتكت الهند، ولنرحب أكثر بمصالح الصين على الضفة الغربية من الخليج، فإذا كانت النوايا انتهازية من البعض فلتكن التحركات "شمشونية" من قبلنا، لكنها محسوبة النفع والضرر.