بعد توقيع المصالحة أمام عدسات المصورين وكاميرات القنوات الفضائية، هللت صحف الداعمين للإرهاب، واعتبرت المصالحة "انتصارا" وفتحا مبينا، فيما تمادى محللون في اعتبار الحدث ركوعا لمن تصدى طيلة سنوات لمحاربة الإرهاب ومقاطعة داعميه. لكن للحدث تخومه، كما للمتن هوامشه الخفية.

المصالحة بين محارب الإرهاب وداعمه، فخ وُضع بدقة في طريق الذئب المتبجح بذكاءه.

يقالُ إن السياسة فن الممكن، وأنه ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، بل هناك مصالح دائمة. هذا الكلامُ، على إنشائيته، يصلح لوصف المناسبة كما وصف الأطراف التي تقابلت على طاولة المصالحة: كان الخلاف منذ البدء حول الدعوة لفك الارتباط بين الإرهاب وداعميه، وفك الارتباط يهدف لتحقيق أمرين في غاية النبل والسلام. الأول تجفيف منابع الإرهاب وقطع شرايين تمويله، ومنع حقائب الدولارات من التهاطل على حسابات المفجرين.

أما الهدف الثاني فهو جر داعم الإرهاب إلى مربع السياسة باعتبارها تطارح أفكار وبرامج لا تبارزا بالألغام والمفخخات.

بهذا المعنى يصبح داعم الإرهاب أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن يثبت أن سنوات غيّه الماضية كان سقطة حصلت نتيجة حسابات خاطئة وتقديرات متسرعة نابعة من إقامة عتاة الإرهابيين على أراضي من يفاخر بدعم التطرف ويعتبره ذودا عن حقوق الإنسان. وإما أن يثبت نفسه (أي داعم الإرهاب) في سجل الإرهابيين الحقيقيين ويسقط السياج الوهمي بين الفاعل الحقيقي ومن يحركه من وراء ستار.

هنا يصبح المتبجح بعد الإرهابيين في ورطة حقيقية، حين يجدُ نفسه أمام شرط واحد، لا شروطا كثيرة. والشرط المختصر هو تقديم ما يفيد أنه اتخذ مسافة حقيقية بينه وبين تنظيمات الإرهاب المتلبس بالدين. وكلما بدت تلك المسافة واضحة، كلما عاد المهلل بتوقيعه المصالحة إلى مصاف الدول، وغادر تبعا لذلك قائمة الشركات التي تستثمر في دماء الشعوب عبر فروعها في كل العالم.

المصالحة في توقيتها وفي سياقاتها يمكن أن تكون موضوع تحفظات كثيرة، واحترازات عديدة، لكنها في الوقت نفسه فخ أخير؛ إما أن ينجو منه راعي الذئاب حين يتخلص من قطيعه، ويقدر أن الذئاب لا تنتمي للحيوانات الأليفة، وأنها يمكن أن تأكل من لحم راعيها. وإما أن يقع مع ذئابه الكثيرة في فخ كبير ويتحول إلى قرينة على صواب مقولة: صديق عدوي هو أيضا عدو تنسحب عليه كل قواعد الحرب والنزال.