لأول مرة تنتشر قوات الحرس الوطني المدججة بالأسلحة والمعدات في العاصمة الأمريكية "واشنطن"، إضافة إلى قَتامة  المشهد الذي تلتحف به الجسور والشوارع والطرقات وحتى القطارات التي ستتوقف حركتها إلى العاصمة الأميركية في هذا اليوم، بعد أن توقفت ساعة التاريخ  الأمريكية في اليوم  المشهود " الأربعاء الموافق للثامن من يناير 2021" الذي لا يتمنى أي أحد من الشعب الأميركي أن يعود، فالمتاريس الحديدية نُصِبت، ويافطات "ممنوع المرور" تعددت، ونقاط التفتيش انتشرت، وتَوجس الجميع خِيفةً من تكرار سيناريو أفلام الغرب، بل الرعب الأمريكي في العاصمة الأمريكية، فأضحت الثكنة العسكرية الشَامة والعَلامة لعاصمة الديمقراطية الأميركية ورمزها.

اقتضت الفوضى التي سادت المشهد الأمريكي يوم الأربعاء الدامي، أن تتعلم السلطات والهيئات والمؤسسات التنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية كافة الحساب من جديد، حتى تتخذ هذه الإجراءات والتدابير والتعزيزات الأمنية غير المسبوقة، تجنبا لتكرار مأساة الأربعاء الحزين. فالأمة التي ضربتها بشده جائحة الجائحات كوفيد19، عصفت بها أحداث جِسام لم يَدر بخلد العقلاء أن تحدث، و لو لطرفة عين، فالاقتحامات والتهديدات لم تستهدف هذه المرة الناس أشخاصا عاديين، بل مست أولئك الذين يشرعون القوانين ويلبون المتطلبات المجتمعية للشعب الأميركي، وهم الذين يمارسون أيضا الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة الأميركية، وقد فعلتها منذ أيام قليلة حين تخطى الكونجرس الأميركي الفيتو الوحيد للرئيس المنتهية ولايته خلال ولايته الرئاسية.

وافق الرئيس المنتهية ولايته على إعلان الطوارئ في العاصمة "واشنطن" من الآن وحتى الرابع والعشرين من يناير، تنفيذا لمشورة مستشاريه الأمنيين الذين استشرفوا الأحداث الخطيرة التي يمكن أن تعكر صفو حفل التنصيب. وستقوم قوات يبلغ تعدادها واحدا وعشرين ألف جندي من الحرس الوطني الأميركي بالإغلاق الكامل للعاصمة الأميركية، ولن تقتصر القوات المنتشرة على الحرس الوطني الأميركي، ولكن ستتلقى وحدات شرطة العاصمة التي أعلنت التعبئة العامة في صفوفها، الدعم من وحدات خاصة من وزارتي العدل والأمن الوطني متخصصة في التدخل السريع وتفكيك العبوات الناسفة والتفاوض على إطلاق الرهائن، يصل مجموع أفرادها إلى نحو 5 آلاف شخص، وذلك بعد أن أماطت التحقيقات الجنائية التي أشرفت عليها المباحث الفيدرالية الأمريكية اللثام عن أن من  بين الأهداف التي خطط لها مُقتحمو مبنى الكونجرس الأميركي في اليوم الدامي، اختطاف بعضٍ من المشرعين  الأميركيين الذين كانوا يعلنون جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، والمساومة بعد ذلك لتحقيق مآرب سياسية لصالح الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته.

سيقام حفل التنصيب في مبنى الكونغرس في 20 من يناير، وسيشرف عليه رئيس المحكمة الدستورية العليا. والقسم الرئاسي الذي سيؤديه الرئيس المنتخب "جو بايدن "  لا يختلف عن جميع دول  العالم، فهو إجباري لكل فترة رئاسية جديدة، وهو إعلان رسمي عن بدء ولاية رئاسية مدتها أربع سنوات. ويتعهد الرئيس الجديد بأن يحترم دستور البلاد وأن يحافظ على استقلالها وسلامة أراضيها، ولا تجوز لرئيس الدولة ممارسة مهامه وصلاحياته قبل أدائه اليمين الدستورية. ويبدأ احتساب مدة ولاية الرئيس من تاريخ أدائه لها. أما نص القسم فهو كالتالي: "أقسم بأنني سوف أقوم بتنفيذ متطلبات منصب رئيس الولايات المتحدة بكل أمانة وسوف أقوم بما في وسعي للحفاظ على الدستور وحمايته والدفاع عنه"

لم يُنبِئنا دستور الولايات المتحدة الأميركية في هذا الشأن إلا عن تلاوة القسم الرئاسية، فهي العنصر الوحيد في هذا الحفل المنصوص عليه في دستور الولايات المتحدة (المادة الثانية، القسم الأول، البند 8)، وعلى الرغم من أن ذلك ليس مطلبًا دستوريًا، ومنذ عام 1789 أُدّي القسم في 58 حفل تنصيب عاما مجدولا. وبغض النظر عن حضور أو تغيب سلف الرئيس أثناء قسمه، فأداء القسم يعد من الأمور الضرورية لاستكمال بروتكولات التعيين في المنصب، ولا يغير من الأمر كون الشخص الذي سيقسم ذلك القسم منتخبا انتخابا عاما حرا، مباشرا وسريا. وتبقى اليمين التزاما معنويا دينيا ودستوريا يحول دون الانحراف عن المسار الذي أقسم ألا يحيد عنه، كما تمثل إعلانا عن بداية ممارسته لمهام منصبه.

من المرتقب أيضا، أن تختصر الإجراءات الاحتفالية في العشرين من يناير 2021، فلن يشهد العالم الأُبهة التي اعتادت عليها الأمة  الأميركية التي صارت مكلومة بعد أحداث الأربعاء الدامي غير المسبوقة، فاستثنائية المشهد تستدعي الاختصار والسرعة في الإجراءات.

ختاماً، سَتَعمُر الشوارع الأميركية كافة بيافطات الترقب، وعلامات التوجس، وإشارات الحذر، وسَيمر يوم التنصيب الغريب كَأطول يوم تُخَبّر به الأمة الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية التي فقدت فيها الجيوش الأميركية مئات الآلافِ من الجنود.