وفي حين يشكل هذا تهديداً للمدخول الملياري لفيسبوك، فإن التهديد بحد ذاته ينطبق في حال كانت الشركات المعلنة أميركية أو دولية عملاقة، من التي تدفع ثمناً باهظاً للإعلان تضمن معه أن يعرض في كافة أنحاء العالم. هذا الاتفاق الإعلاني يتم بمنأى عن الشعوب والدول الواقعة خارج المعادلة الربحية المؤثرة، وبالتالي لا تشكل ضغطاً تجارياً يذكر لتساوم به على أمنها وسلمها الاجتماعي. من هذا المنطلق، حريٌّ بها أن تستنجد بالقانونيين والمشرّعين لتشريع الضوابط.

هذه الخطوات ليست خوفاً من حرية التعبير، وإنما تصدياً لسوء التعبير، وخبث الرسالة، وتجهيل أو استثارة الرأي العام، ولا توجد مناعة لدى أي مجتمع من هذه الأمور، والدليل ما شهدته الولايات المتحدة من حراك فوضوي، استنفرت معها الرئاسة والمؤسسات طاقتها لمحاربة التحريض الرقمي. كما تسعى لمحاربة تطبيق تك توك الصيني.

لا تسمح الصين وروسيا للتطبيقات الغربية عموماً والأميركية خصوصاً بالعمل ضمن جغرافيتها السيبرانية، وما استثني من ذلك يعمل ضمن حدود. في المقابل، دخل التطبيق الصيني الجديد وحيداً إلى المجتمع الأميركي، فاستحوذ على قرابة 40 مليون مستخدم أميركي لغاية الآن والعدد في ازدياد.

مؤخراً، اكتشفت التحريات الرقمية أن التطبيق يجمع بيانات طلبة المدارس، وهي ليست بالضرورة لرصد الأنماط والتفضيلات الاستهلاكية، ما أثار حفيظة الجهات الرسمية الأميركية وقلق المواطنين، رغم ممارسة غوغل لذات الفعل مع أطفال المدارس في المكسيك!

تطبيق تك توك منعته الهند مؤخراً بعد النزاع الحدودي مع الصين، ضمن قائمة 59 تطبيقاً صينياً تم منعها.

التطبيق ذاته أعلن خروجه المؤقت من هونغ كونغ، ربما ليحول دون استخدام المحتجين هناك له في نشاطهم. يبقى أن نذكر بأن هذا التطبيق تم تحميله عالمياً على 2 مليار هاتف جوال من نظامي أبل وأندرويد!

منذ أيام، قامت شركة "لون" – واسمها مأخوذ من نصف كلمة بالون – بإطلاق أول دفعة من بالوناتها الجوية التي تقوم بدور أبراج الاتصال في كينيا.

هذه البالونات تقود مسارها معادلات للذكاء الاصطناعي، بمعاونة الرياح مع تدخل بشري شبه معدوم.

تنضوي هذه الشركة تحت مظلة ألفابيت، الشركة الأم المالكة لغوغل، ومن هنا قد نشهد صراعاً سيبرانياً على نشر خدمة الاتصال بالإنترنت بصورة مبتكرة لتجاوز ضعف البنية التحتية ووعورة الأراضي الشاسعة، واستمالة الشعوب الأفريقية ثقافياً وتجارياً وسياسياً، بدءًا من هذه الخطوة، لمواجهة الاختراق الصيني للقارة السمراء، الذي يحدث فعلياً على الأرض.

تقوم غوغل بهذا في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث التشريعات المنظمة لقطاع الاتصالات وحقوق وخصوصية المستخدمين ما زالت في مهدها، وفي المجال الرقمي، كل العالم ساحةٌ لحربٍ ما.

بخلاف ذلك، تعهدت غوغل في أوروبا بعدم استغلال بيانات النشاط الرياضي ومعدل دقات القلب ومسار الجري لمستخدمي أساور (فت بت) الرياضية الرقمية، وهي الشركة التي تسعى غوغل للاستحواذ عليها.

وتعهدت الشركة أيضا بأنها خلف المعدات وليس البيانات، بينما يجتهد المشرعون في الاتحاد الأوروبي لإيجاد ضمانات تحول دون انفتاح الباب على مصراعيه لتحوّل البيانات الضخمة إلى بيانات مهولة big data to huge data، وهو التحوّل الوارد عندما تعلم غوغل مسار جري ممارسي الرياضة ومعدل دقات قلوبهم والأوكسجين في دمائهم، ومواقع استراحاتهم على الطريق ومواعيد ممارستهم للرياضة، وما يصادفهم على الطريق مما يمكن إرشادهم لشرائه، وبين هؤلاء أناس على قدر من الأهمية، لا يجوز السماح بتتبع مساراتهم من ناحية أمنية!

أوروبا تستعد لإخضاع فيسبوك ويوتيوب وتويتر لمحاذير محتوى الكراهية الخاصة بقنوات البث التقليدية، بينما في الولايات المتحدة، يستعد الرؤساء التنفيذيون لأمازون وفيسبوك وألفابيت وأبل لتقديم حججهم أمام الكونغرس نهاية شهر يوليو الجاري رداً على مساءلات طرح الثقة في ممارساتهم تجاه الخصوصية والرأي العام.

على صعيد البرامج الانتخابية، ينظر كلا المتنافسين ترلمب وبايدن في مسألة وضع محاذير لمنع الاحتكار، مع دراسة جدوى الضرائب الرقمية، مع أنه لا يبدو أنهما قد قررا متابعة مسألة تفكيك الشركات المتضخمة. الرجلان أيضاً يشجعان تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بدافعين مختلفين: بايدن يطالب بضمانات نشر الحقائق المثبتة، وترامب يطالب بعدم استهداف المحافظين بالأخص، كما يجتمعان على مكافحة خطاب الكراهية على منصات التواصل، وإن كان ذلك بدافعين مختلفين، ومساعٍ تكمن وراءها مكاسب وأثمان سياسية.