ويمكن أن تصل تلك المتغيرات في حال احتدام الخلافات إلى مواجهة مسلحة يتجنّبها الطرفان في الوقت الحاضر، إلا أن مجالا آخر يطرح ذاته على مائدة النقاش، ويرتبط بالعلاقات الأوروبية – الآسيوية، والصينية تحديدا في قادم الأيّام.

هل يمكن أن تتأثر العلاقات الأوروبية – الصينية بعد الذي جرى من تفشي وباء كورونا في القارة الأوروبية، والخسائر الفادحة التي دفعها الأوروبيون سواء من الأشخاص بعشرات الآلاف أو الممتلكات والأموال التي تتجاوز مليارات الدولارات؟.

لا يمكن أن نقدم جوابا على علامة الاستفهام المتقدمة، من غير الإشارة إلى شكل العلاقات الصينية - الأوروبية قبل كورونا، إذ يشير الواقع إلى أن الأوروبيين كانوا قد بدؤوا في توجّه حقيقي لمزيد من الاندماج مع الجانب الصيني تحديدا في آسيا، وإن اختلفت درجة التعاطي من دولة إلى أخرى.

فعلى سبيل المثال هناك دولة مثل إيطاليا، ذهب قادتها لا سيّما الجناح اليميني فيها إلى الإغراق في العلاقات الاقتصادية مع الصين، وبلغ الأمر حدّا يصل إلى ضرب عرض الحائط باعتراضات الاتحاد الأوروبي على إيطاليا، إذ اعتبر الأوروبيون ما تقوم به الصين بمثابة كعب أخيل في الجسم الأوروبي.

من جانب آخر كانت هناك دول مثل ألمانيا تتعاطى بعقلانية وموضوعية مع الصين، فقد أدرك الجانب الألماني أن الصين قوة قطبيّة قادمة لا شكّ في ذلك، ولهذا كان التخطيط للتعامل معها منذ سنوات طوال، وليس سرا أن الجانب الألماني قد قام بنقل الكثير من الاستثمارات المهمة كالسيارات الألمانية ومصانعها إلى الجانب الصيني، بهدف براغماتيّ يتمثّل في الاستفادة من التكاليف المتدنية هناك، واعتبار الصين سوق العالم الحديث.

وما بين إيطاليا وألمانيا تقف دولة مثل فرنسا والتي وإن رغبت في التعاون مع الصين، إلا أنها من جانب آخر كانت تتحسّب لما يناقض التوجه الليبرالي الفرنسي التقليدي منذ زمن الثورة الفرنسية، لا سيّما أن الكثيرين من الفرنسيين يرون أن النظام الصيني نظام شموليّ، ولا أمل في تغييره، وأنه يمثّل مخاطر حقيقية على أي حياة ديمقراطية سليمة.

غير أن توافقا أوروبيا بشكل عام بدا وكأنه غالب، ويسعى في طريق تطوير علاقات أوروبية – صينية بشكل ناجز وفاعل، وقد ساهم في إذكاء هذا التوجه المواقف الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، والذي اهتمّ بالقضايا الاقتصادية بأكثر كثيرا جدا من الأبعاد التاريخيّة للعلاقات السياسية الأوروبية الأميركية، مما ترك تاثيرا سلبيا في نفوس الأوروبيين، وقد بلغ المشهد حدَّ التفكير الأوروبي بقيادة فرنسية في تكوين جيش أوروبي يكون بديلا عن الاعتماد على الجانب الأميركي في الناتو.

ماذا الآن وقد رأى الأوروبيون أن التعاطي مع الصين بقدر ما هو نافع على صعيد السلع والبضائع وحركة التجارة، إلا أنه وعند لحظة بعينها يمكنه أن يكون سببًا لكوارث لا قِبَلَ لأوروبا بها؟.

دعونا نتوقفْ عند ألمانيا والمدركات الجديدة التي حصلت عليها فيما يخصّ الصين بعد أزمة كورونا، والسؤال: "لماذا ألمانيا تحديدا؟

باختصار غير مخلّ لأن الألمان قد توافرت لهم معلومات أولية عن طريق أجهزة استخباراتهم الخارجية منذ وقت مبكر، وتحديدا في أواخر شهر نوفمبر وأوائل شهر ديسمبر الماضيَيْن، حيث أدركوا أن هناك وباء يجري في مدينة ووهان، وأن الحكومة الصينية تغطي على المشهد.

وفيما كان العالم بعيدا جدا عن مسايرة المشهد المأساوي التراجيدي الصيني، كان الألمان يأخذون حذرهم، ويُعِدّون العُدَّة الطبية لملاقاة الكارثة القادمة لا محالة، وربما يكون هذا هو السبب الذي جعل تأثيرات كورونا في ألمانيا أضعف بكثير جدا عن نظيراتها في إيطاليا وفرنسا أو بريطانيا.

هل يعني ذلك أن الألمان يؤمنون اليوم بأن الصين قد تحوّلت إلى رجل آسيا المريض على حد تعبير مجلة الفورين بوليسي الأميركية الشهيرة والقريبة من صُنَّاع القرار في الداخل الأميركي؟.
يذهب البعض إلى أن الصين أخفقت في استجابتها الأولية لانتشار فيروس كورونا الجديد، والذي كشف عن أسوأ ما في الجمهورية الصينية من نقاط ضعف هائلة، لا سيّما ما يتعلّق بقدرة النظام على جمع ومعالجة والتصرف بناء على معلومات حساسة أضعف بكثير مما توقع أي شخص.

ليس هذا فحسب، إذ إنه بالنظر إلى الاستثمارات الضخمة في السيطرة على الأمراض والوقاية منها التي قَدَّمتها الصين منذ انتشار سارس بين عامَيْ 2002 و2003، وتنفيذ القوانين في إدارة حالات الطوارئ عام 2007، فإن من المذهل رؤية الحدّ الذي بلغته الصين في إساءة التعامل الأوّليّ مع فيروس كورونا المستجدّ.

قبل أن تضرب كورونا في أوروبا كان هناك اتفاق على أن تشهد مدينة لاينزيغ الألمانية في الرابع عشر من سبتمبر القادم لقاءً بين قادة الاتحاد الأوروبي والرئيس الصينيّ شي جين بينغ.

السؤال: "هل سيمضي اللقاء إلى نهايته كما كان مُخطَّطًا له، أم أن رَدود فعل المسؤولين الأوروبيّين، ومنهم الألمان والفرنسيّون بنوع خاصّ، والذين يطالبون الصينيّين الآن بتعويضات خرافيّة عن الخسائر التي لَحِقت بهم، سوف تقطع الطريق على هذا اللقاء، وفي إطار من مراجعة كلّيّة للعلاقة مع الصين؟.

رصدت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأميركية مؤخَّرًا أبعاد المشهد في قراءة للصحافي الأميركي لوك ماكغي، تشير إلى حالة التضادّ القائمة في الذات الأوروبيّة. ما معنى ذلك؟.

باختصار غير مُخِلّ، الأوروبيّون غير راضين عن الأداء الشمولي الصيني في أزمة كورونا، والذي أدّى إلى تفشّي الفيروس القاتل على أراضي القارّة الأوروبية، وغالبًا لن تتمكن الأطراف كافة من الالتقاء وجهًا لوجه، وسوف تنقسم المواقف الأوروبيّة ولا شكّ من الصين وقيادتها.

لكن على الجانب هناك إشكاليّة عميقة موصولة بالتبادلات التجارية الأوروبية الصينية، ذلك أن غالبيّة اقتصادات الاتّحاد الأوروبي تعتمد بشكل مباشر على سلاسل التوريد الصيني، وليس من مصلحة أي شخص مقاطعة التجارة مع بكين.

هنا يظهر جانبٌ آسيويٌّ آخر على هامش المشهد، الجانبُ الروسيُّ، الذي حذر بعض الأوروبيين من مساعداته في مكافحة كورونا، معتبرين أن مستوى الفِرَق التي أرسلها القيصر بوتين، أكبر وأخطر من مجرّد المشاركة في مكافحة كورونا.

التساؤل الجوهريّ: هل يمكن أن تحقّق روسيا استدارة في السياسات الأوروبية جِهَتَها تعزّز بها علاقتها مع الأوروبيّين على حساب العلاقات مع الصين، وضمن إطار لعبة الشطرنج الإدراكيّة الأمميّة الجديدة؟.