في الوضع الطبيعي كان الناس يذهبون إلى أعمالهم في الصباح الباكر وينتظرون رواتبهم في نهاية الشهر، والتي سيذهب جزء منها للإنفاق على مستلزمات الحياة الأساسية من مأكل ومسكن، وكذلك على الرفاهية مثل الذهاب للسينما أو السفر للاستجمام.

بقي الوضع على هذا النحو إلى أن ضربت العالم جائحة كورونا، التي لم تفرق بين غني أو فقير،  أو دولة كبيرة أو صغيرة.. حتى تعطلت عجلة الإنتاج وتوقفت أغلب الأنشطة الاقتصادية. فما الذي يحدث في الاقتصاد تحديدا؟

طالما لا يوجد أي علاج أو لقاح للوقاية من هذا الفيروس الجديد، فإن الحكومات اضطرت إلى اتخاذ خيارين أحلاهما مر..

الأول هو الغلق التام وفرض الحجر الصحي وحظر التجول سواء كان جزئيا أو كاملا.

إجراء الهدف الأساسي منه هو إبطاء سرعة تفشي المرض مما يخفف الضغط على القطاع الصحي ويمنعه من الانهيار.

لكن هذا الإجراء الصحي والضروري سيأتي بتكلفة..وبتكلفة باهظة.. أي ما سيحدث هنا، هو شبه توقف لعمليات الشراء والبيع.. أموال مجانية!

أما عن الخيار الثاني فتمثل في توجه الحكومات لدعم الأسر والقطاعات المتضررة من عمليات الحجر الصحي.
وهنا تأتي فكرة الأموال المجانية!! نعم حكومة مثل الولايات المتحدة أعلنت عن منح أموال غير مستردة وخالصة الضرائب للأفراد والأسر بما يمكنهم من النجاة ولو مؤقتا من توقف الأعمال.

وبكل تأكيد سيكون القطاع الصحي في صدارة تلقي الدعم الحكومي ثم القطاعات المتضررة الأخرى التي توقفت تماما كقطاع الطيران على سبيل المثال.

وللعلم تظهر تقديرات وكالة موديز إن كل دولار أنفقته الحكومة لاحتواء الأزمة المالية العالمية في 2008 اضاف 1.7 دولار للاقتصاد.

الحجر الصحي مفيد للاقتصاد عكس ما نعتقد!

المتابع لتصريحات ترامب الأخيرة يجد أنها تصب في النهاية في إعادة فتح الأسواق وعودة الحياة إلى طبيعتها في أقرب وقت ممكن حتى لا ينهار الاقتصاد.

وردا على هذا التوجه، قام باحثون في البنك الاحتياطي الفيدرالي وجامعة MIT، بدراسة الاقتصاد الأميركي أثناء وبعد أزمة الإنفلونزا الإسبانية في 1918 والتي تعد الأسوأ في تاريخ البشرية الحديث.

الدراسة وجدت أن المدن الأميركية التي اتخذت إجراءات غير طبية، كحظر التجول والعزل والتباعد الاجتماعي – مثل ما يحدث الآن بسبب جائحة كورونا- لمدة تصل إلى 46 يوما شهدت ارتفاعا في معدلات التوظيف أعلى من المدن التي اتخذت إجراءات مشابهة لثمانية أيام فقط.

كما أن المدن التي بادرت باتخاذ إجراءات سريعة ومبكرة، فضلا عن طول أمد التدخلات غير الطبية، شهدت زيادة في النمو أعلى من المدن الأخرى التي لم تتخذ نفس الإجراءات.

موجة جديدة من الأموال الرخيصة.. ماذا بعد؟
68 خفضا لمعدلات الفائدة قامت بها البنوك المركزية حول العالم بين شهري فبراير ومارس لمواجهة التداعيات الاقتصادية من جائحة كورونا، بحسب مؤسسة بلاك روك.

وعندما يتم خفض الفائدة إلى مستويات متدنية للغاية أو إلى مستويات صفرية، تصبح غير فعالة لدعم الاقتصاد.

لذا تتجه البنوك المركزية إلى طرق غير تقليدية مثل خلق أموال جديدة وضخها في الأسواق من خلال شراء الأصول المالية، وهي طريقة تعرف باسم سياسات التيسير الكمي {Quantitative Easing (QE)} التي تعد أشبه بطباعة أوراق نقدية وضخها في الأسواق. (عادة البنك لا يطبع نقود للشراء ولكن يتم زيادة الأرصدة إلكترونيا).

هذه السياسات استخدمت من قبل لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية في 2008، لدرجة أن الأسواق باتت تدمنها إلى يومنا هذا.

فمنذ أن بدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي – البنك المركزي الأميركي-  بضخ سيولة في الأسواق من خلال سياسات التيسير الكمي لمواجهة الأزمة المالية 2008، ساهم ذلك في تضخم ميزانية البنك من 870 مليار دولار في 2007 إلى 4.5 تريليون دولار في منتصف 2016.

الفيدرالي لم يكن وحده، فهناك أكثر من بنك رئيسي تبنى هذه الخطوة مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا المركزي وبنك اليابان المركزي وغيرهما، الأمر الذي أغرق الأسواق بالأموال الرخيصة.

أسواق الأسهم المستفيد الأول من التيسير الكمي
جائحة كورونا دفعت بأكثر من 20 بنكا حول العالم لاتخاذ إجراءات مشابهة للتيسير الكمي، حتى أن البنك الفيدرالي كشر عن أنيابه وأغرق الأسواق بمئات المليارات خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وتظهر بيانات الفيدرالي أن الميزانية تضخمت خلال الأسابيع القليلة الماضية لتصل إلى مستوى قياسي جديد عند 5.2 تريليون دولار، وقد تتضاعف إلى عشرة تريليونات دولار بنهاية العام الجاري بحسب توقعات بنك أوف أميركا.

هذه السيولة الضخمة التي ستغرق الأسواق قد يكون لها انعكاس إيجابي على أسواق الأسهم.

تخيل معي أن بنكا ما في الولايات المتحدة لديه فائض من السيولة نتيجة سياسات التيسير الكمي والبنك المركزي لا يمنح عائدا على الودائع لديه (فائدة صفرية)، ويريد البنك تعظيم العائد، فأين يستثمر؟
أو مستثمر لديه فائض من الأموال، ويرغب في الاستثمار، لكن البنوك لا تعطي فوائد وفي بعض الأحيان فوائد بالسالب، أي يتم الخصم من الودائع مقابل تركها لدى البنك!

الإجابة: أسواق الأسهم ستكون الوجهة المفضلة للمستثمرين في ظل البيئة الصفرية لمعدلات الفائدة، وهذا يفسر الارتفاعات التاريخية والقياسية لأسواق الأسهم الأميركية طيلة العقد الماضي.

 وبالتالي نعتقد أن بحث المستثمرين عن العائد قد يؤدي إلى ارتفاع أسواق الأسهم مرة أخرى خلال الفترة المقبلة، خصوصا إذا استمرت سياسات البنوك المركزية ضمن حالة توسعية لفترة طويلة وربما قد تتدفق رؤوس الأموال مرة أخرى إلى الأسواق الناشئة كونها لاتزال تتمتع بعوائد مرتفعة مقارنة بنظيرتها في الدول المتقدمة.

مؤشر الداو جونز إلى أين؟

جائحة كورونا كحدث غير متوقع أدت إلى تقلبات لم تشهدها أسواق الأسهم الأميركية في تاريخها، فيكفي أن مؤشر الداوجونز حقق أسوأ أداء للربع الأول في تاريخه الممتد منذ أكثر من 100 عام.

وبنظرة فنية بحتة على الرسم البياني الشهري لمؤشر داوجونز يتبين الآتي:
•    حدث انحراف سعري بين حركة المؤشر ومؤشر الزخم القوة النسبية {14} مما كان يعطي علامة على ضعف الزخم الصاعد وبداية لانعكاس المؤشر.
•    حتى مع التراجعات الحادة التي شهدها المؤشر فإنه لم يصحح سوى 50% على أداة فيبوناتشي التصحيحية من الاتجاه الصاعد الذي بدأ عند 6470 نقطة  في مارس 2009 والمنتهي عند مستوى 29567 نقطة في فبراير 2020.
•    الكسر السريع لمستويات 23% و 38% جعل المستوى 50% أكثر قوة وفقا لمبدأ تبادل الأدوار على مستويات فيبوناتشي، كما تزامن أن المستوى 50% يوازي القمة السابقة للمؤشر عند مناطق الـ 18 ألف نقطة والذي دفع بارتداد المؤشر للأعلى.
الخلاصة:
•    احتمالات صعود مؤشر داوجونز على المدى المتوسط والطويل (أكثر من 6 أشهر) تتوقف على الإغلاق الشهري (إغلاق ابريل) فوق خط الاتجاه الصاعد وفوق مستويات 20745 نقطة (38.2% فيبوناتشي) وبالتالي قد يستهدف مستويات 24000 نقطة (23.8% فيبوناتشي) ثم مناطق 30000 نقطة على المدى الطويل.
ويحمي المتوسط المتحرك لـ 100 و 200 شهر الاتجاه الصاعد من الأسفل، كما يشير تباعد المتوسطين إلى استمرار قوة الاتجاه الصاعد إلى الآن.
•    يفشل هذا السيناريو إذا أغلق مؤشر داوجونز دون مستويات 18000 نقطة (50% فيبوناتشي)، في حين أن كسر مستويات 15000 نقطة (61.8% فيبوناتشي) والتي تتلاقى مع المتوسط المتحرك 200، من شأنها أن تدعم السقوط الحر للمؤشر صوب 6500 نقطة.