فهو ليس رئيساً تقليدياً يغازل الإعلام التقليدي، بل أعلن التحدي لهذا الإعلام، منذ أن دخل البيت الأبيض، ولذا يجد نفسه في مكانين لا ثالث لهما، أولهما حسابه الخاص في تويتر، والثاني تجمعات أنصاره وجمهوره المخلص، وأستغرب عندما يقول بعض المعلقين إن ترامب يهرف بما لا يعرف، فترامب عندما يتحدث، لا يخاطب الجمهور التقليدي، بل يتحدث إلى قلوب أنصاره، الذين أوصلوه للبيت الأبيض، ومعظم هذا الجمهور ينتمي إلى ما يطلق عليها "شريحة المهمشين"، الذين سئموا الساسة التقليديين، وضاقوا ذرعاً بلوبيات المصالح، ولم يعودوا يثقوا بالساسة، الذين يطلقون الوعود البراقة، أثناء حملاتهم الانتخابية، ثم ما إن ينتصروا، يتجاهلوا كل وعودهم للشعب، ويعملوا من أجل مصالحهم، التي تحققها لهم لوبيات المصالح في واشنطن.

الرئيس ترامب، وباستشارة الداهية، ستيف بانون، أدرك منذ البداية أنه ليس سياسيا تقليديا، فهو لا يملك أي خبرة سياسية، ولم يسبق له أن انتخب لأي منصب فيدرالي أو محلي، وبالتالي وجّه كل جهده للشرائح المهمشة، ولم يكن تصريحه عن منع دخول المسلمين لأميركا عفوياً، كما لم يكن تصريحه ضد المهاجرين اللاتينيين، وأن معظمهم من المجرمين ومهربي المخدرات عفوياً هو الآخر.

فقد كان يدرك أن مثل هذه التصريحات غير التقليدية، أو العنصرية إن شئت الدقة، هي ما كانت شرائح المحافظين المهمشة تنتظرها، فهذه الشرائح لا تطربها تدخلات أميركا في قضايا العالم، فما يهمها هو أن تنكفئ أميركا على نفسها، وتحد من الهجرة، وتعمل على مصالح شعبها في الداخل الأميركي، أي الازدهار الاقتصادي، وبالتالي أصبحت هذه هي مرتكزات ترامب، التي فاز بالرئاسة بسببها، ثم حرص على تنفيذ وعوده، من أجل أن تتم إعادة انتخابه، ولم يفهم الإعلام الأميركي التقليدي ترامب إلا متأخراً، فسياساته التي كان هذا الإعلام يعتقد أنها ستؤدي لعزله، أو خسارته لمعركة إعادة الانتخاب، أصبحت مصدر قوته، فمن يقرّر هوية الرئيس هو الشعب الأميركي، وبالذات الشرائح التي كانت مهمشة، إذ هي تريد رئيساً قوياً، يحد من دور أميركا كشرطي للعالم، ويسعى لمصلحة أميركا والشعب الأميركي، وهذا هو ما يفعله ترامب تحديداً...!