ولا شك أن تواصل ترامب مع رئيس أوكرانيا خطأ جسيم، وإن كان رجالات القانون في أميركا يختلفون على ما إن كان هذا الخطأ يستحق العزل، عطفا على مواقفهم الآيديولوجية، فاليساريون يعتقدون أن ما فعله ترامب ليس ببعيد عما فعله الرئيس نيكسون، عندما تجسّس على مقر الحزب الديمقراطي، وانتهى به الأمر بالاستقالة، بعد أن تيقّن أنه سيعزل لا محالة، بينما يرى أنصار ترامب أن ما يجري لا يعدو أن يكون ملاحقة للرئيس، ومحاولة لعزله، أو تشويه صورته على الأقل، قبل الاستحقاق الانتخابي المقبل.

ومع أن الأمر في بدايته، إلا أن عزل ترامب يبدو مهمة شبه مستحيلة، فقد يتمكن الديمقراطيون في مجلس النواب، من التصويت على الاتهامات الموجهة للرئيس، بحكم أنهم الأغلبية في المجلس، وبحكم أن التصويت هنا بالأغلبية فقط (النصف+1)  لكن العزل النهائي للرئيس لا يتم إلا بعد محاكمته في مجلس الشيوخ، وهي محاكمة يرأسها رئيس المحكمة العليا، ومن ثم يجب أن تصوت الأغلبية المطلقة على العزل ( أي الثلثين من أصل أعضاء المجلس المائة)، مما يعني أنه يجب أن يصوت كل الديمقراطيين في المجلس، علاوة على عشرين جمهوريا، وهذا أمر صعب للغاية، فالجمهوريون يعلمون أن الأمر مُسيّس، وأن هدف الديمقراطيين ليس البحث عن العدالة، بقدر ما هو إطاحة رئيس جمهوري محافظ، وبالتالي سيتردّدون في التصويت ضد الرئيس، وقد حدثت مناكفة حزبية قريبة من ذلك، أثناء التصويت على مرشح ترامب للمحكمة العليا، بريت كافاناف، وليس هذا كل شيء.

يعلم الجمهوريون في الكونغرس، أن التصويت ضد الرئيس سيكون له ثمن باهظ، فشعبية ترامب جارفة، ومن يغامر بالوقوف ضده، قد يخسر حتما معركته الانتخابية المقبلة، ولا يمكن المجازفة بذلك، ما لم تثبت على الرئيس جرائم لا يمكن التساهل معها، مثل الخيانة العظمى، ومحاولة عرقلة سير العدالة، كما أن التاريخ ليس في صالح الديمقراطيين.

فخلال التاريخ السياسي لأميركا، والذي جاوز القرنين، دان مجلس النواب رئيسين، هما أندرو جانسون وبيل كلينتون، لكنهما أفلتا من العزل في مجلس الشيوخ، أما الرئيس نيكسون فقد استقال، بعدما تيقن من إمكانية عزله، ولا يساورني شك في أن الديمقراطيين يعلمون أنهم لن يستطيعوا عزل ترامب، لكنهم يأملون أن يؤثر الحديث عن مخالفات ترامب وإمكانية عزله في فرصه بالفوز  في الانتخابات المقبلة، لكن هذه مغامرة خطرة، إذ قد تتسبب ملاحقتهم له وعرقلة عمله، في تشبّث أنصاره به، بل قد تجلب تعاطف المحايدين معه، والخلاصة هي أن إمكانية عزل ترامب، في ظل المعطيات الحالية، شبه معدومة، ومن يدري، ربما تخدمه في نهاية  المطاف..!.