قبل فترة قليلة أصدرت لجنة حماية الدستور "المخابرات الألمانية الداخلية" تقريراً مثيراً للتأمل ، أشارت فيه إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في الداخل الألماني ، قد قدر لها أن تبني أخطر شبكة أصولية ذات تأثير قوى في أرجاء البلاد، وأن نفوذهم في السنوات الماضية قد تصاعد.

أخطر ما تشير إليه التقارير الأمنية الألمانية يتصل بحالة الانتهازية الإخوانية التقليدية، عطفاً على الازواجية الأخلاقية القاتلة المعروفة بها.

يأتون بداية متوسلين بحقوق الإنسان الغربية، ويرفعون رايات المظلومية التاريخية،  ويطلقون البكائيات الحزينة إلى حين أن يتمكنوا من الحصول على حق اللجوء السياسي، وتالياً يمضوا في خطتهم التى هى أقرب إلى استراتيجية "الاستيطان" و"الجهاد الحضاري لا العسكري"، وبدون أدنى  إيمان  بجوهر وأسس الديمقراطية التى ترتكز عليها الحياة الأوروبية.

هل الإخوان في ألمانيا وبقية دول أوربا أخطر تأثيراً في الاستقبال، من القاعدة وداعش في الحال؟.

قطعا الدواعش وأنصار بن لادن، من اليسير تعريفهم، وتعرية أوراقهم، والكشف عن وجوههم، وبالتالي يضحى من اليسير وضع الخطط والاستراتيجيات لمجابهتهم، لكن الإخوان، أقرب ما يكونوا إلى فكر ملالى إيران، أولئك الذين يجيدون فن ومسلك "التقية"، يظهرون بخلاف ما يبطنون، سيما وأن غالبيتهم قد تحصلوا على درجات علمية متقدمة من بلاد مهجرهم ولجوؤهم، ويدركون جيداً "كعوب أخيل" وليس "كعب واحد"، فى البنية التكتونية للدول الديمقراطية.

علامة الاستفهام التي يتوجب علينا الوقوف معها: " هل كانت ألمانيا بريئة كل البراءة مما يجري على أراضيها أى علاقتها بقوى التطرف الإسلاموية، والإخوانية بنوع خاص؟.

قصة ألمانيا والإخوان تكشف مؤخراً بشكل لا يصدق، عبر العديد من المؤلفات، نذكر منها على سبيل المثال كتاب "مسجد في ميونيخ " للمؤلف الكندي الأصل "إيان جونسون"، والمسجد المشار إليه قام على دعمه في المدينة الألمانية الشهيرة ثلاث مجموعات، كل منها يتطلع إلى تحقيق أهداف مغايرة للآخر، فكانت طائفة تضم مفكرين نازيين عمدوا إلى التخطيط لاستخدام "الإسلام" سلاحاً سياسياً، إبان الحرب الكونية الثانية، وعادوا لاحقاً في زمن الحرب الباردة ليستأنفوا العزف عينه على الاستراتيجية ذاتها، وجماعة أخرى كان سوادها أفراداً من وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية، شرعوا في انتهاج المنحى النازي ذاته، والاستفادة منه أملاً في استخدام الإسلام لمحاربة الشيوعية وكسر شوكتها، وهؤلاء هم الذين تدثروا بفكرة "لاهوت الاحتواء"، للأخوين دالاس، في عهد الرئيس الأميركي "إيزنهاور" في خمسينات القرن المنصرم، أما الطائفة الثالثة، فقد كان قوامها حفنة من الإسلاميين الراديكاليين الذين رأوا في المسجد موطيء قدم لهم في الغرب، و قاعدة لأنشطة سياسية لا تخلو من عنف ممنهج.

لم ينتبه الألمان إلى أن السحر عادة ما ينقلب على الساحر، وأن احتضان الأفاعي نهايته التعرض إلى لدغاتها القاتلة وسمها الزعاف، وللقصة الألمانية الإخوانية جذور أبعد تعود إلى هتلر والنازية وما عرف بـ "عملية شرفة القصر"، العملية المشار إليها تكشف أخبارها حديثاً للعوام، وإن لم تخف ولا شك عن الذين لديهم علم من كتاب التفكير النازي.

وباختصار غير مخل، نحن أمام اتصالات عالية المستوى بين الفوهرر "أدولف هتلر"، وبين مؤسسى جماعة الإخوان حسن البنا، اتصالات تبلورت في وثيقة تعاون بين الجانبين ورد فيها تعهد البنا بالعمل لحساب النازية من القاهرة والتي كانت خاضعة للاحتلال الإنجليزي في ذلك الوقت، فيما الأهم يدور حول تجنيد البنا فرقة من خمسين ألف متطوع من شباب جماعة الإخوان من مصر والعالم العربي، على أن يقاتل هؤلاء كنازيين مسلمين تحت القسم الإخواني في الحرب العالمية الثانية التي كانت مشتعلة بمعظم جبهات العالم لحساب الجيوش الألمانية، ضمن فرقة عسكرية نظامية عربية خاصة.

وتقول الوثائق التى أميط عنها اللثام مؤخراً، أن تلك الفرقة قاتلت بالفعل مع الألمان ضد جيوش الحلفاء، حتى سقط منهم آلاف القتلى، ومعهم بضع مئات من الأسرى الذين احتفظت أرشيفات كل من ألمانيا وبريطانيا بأفلامهم ووثائق استسلامهم، وتم تسليمهم إلى مصر.

حين يستيقظ الألمان على خطر الإخوان، يحق لنا أن نسألهم: "هل جنت على نفسها براقش"؟.

الشاهد أن جذور الإخوان راسخة في ألمانيا من زمن مسجد ميونيخ، وقبله شرفة القصر، والجنين الذي ولد سفاحاً بين الجانبين، كان له لاحقاً لأن يتحول إلى تنظيم مؤدلج، يمتلك أدوات لوجستيه عالية الخطورة، مكنته عند لحظة بعينها من تدبير وترتيب العمل الإرهابي الكبير الذى جرى في الحادى عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، من خلال خلية هامبورغ، وقائدها محمد عطا.
لم تعد إشكالية مواجهة الألمان للإخوان اليوم مسألة يسيرة بل معقدة ومتشابكة الخيوط، ومتداخلة الخطوط، لا سيما في ظل أزمنة العولمة، حيث انهارت السدود، وأزيلت الحواجز والقيود، وبات العالم قرية صغيرة على حد وصف عالم الاجتماع الكندي الشهير "مارشال ماكلوهان" في ستينات القرن الماضي.

ألمانيا اليوم في تحد مع دولتين تدعمان إرهاب الإخوان على أراضيها، وقطر هي الأخطر من ناحية تقديم الأموال اللازمة، وهناك في قلب الدوحة يقطن شيخ الإرهاب الكبير "يوسف القرضاوي"، الذي استحدث في العام 1997 ما يعرف بـ "المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث"، الذي يتخذ من دبلن مقراً له، وفي الأشهر القليلة المنصرمة تفتق ذهن الشرير عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، عبر تطبيق على الهواتف الذكية يسمى "يورو فتوى آب" ، بما يحمله من دعوات للحض على الكراهية ومعاداة السامية.
أما الدولة الثانية التي تدعم إخوان ألمانيا بنوع خاص فهى تركيا، تلك التي تقف وراء ما يعرف بـ "الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية في ألمانيا" ، الغطاء الخفى لأنشطة الأصولية التركية المعادية لليبرالية الديمقراطية الألمانية التقليدية، والذي يشرف على نحو 900 مسجد فى 16 ولاية ألمانية.

اتحاد أردوغان هذا يستخدم الإخوان كأداة لطعن ألمانيا في خاصرتها، سيما وأنها الدولة الأكثر رفضاً لانضمامه إلى الاتحاد الأوربي، وعبر الأتراك المتجذرين في ألمانيا، ومن خلال تحالفهم مع بقية الأصوات السلفية، يحاول نظام أردوغان العودة إلي مشاغبة ومشاغلة دول شمال أفريقيا، لا سيما ليبيا، وأياديه السوداء بادية هناك.

حين توفي "محمد مرسي" كان نحو ثلاثمائة مسجد من مساجد ذلك الاتحاد فى أنحاء ألمانيا المتفرقة، يقيم صلاة الغائب على روحه، ما يعنى أن مساجد الجمعية التركية، لا تعدو أن تكون فضاءاً مضافاً للإخوان المسلمين وحضورهم ألمانيا.

ألمانيا أمام اختبار جدى تجاه حظر الإخوان وتجريم أنشطتهم، وقد أثبتت التجربة التاريخية، الارتباط الوثيق بين الإخوان، وبقية الجماعات الإرهابية الإسلاموية، والتي عملت الجماعة الأم كحاضنة لها ... هل ينجح الألمان في الحفاظ على ديمقراطيتهم وليبراليتهم من مخاطر الظلمة ومؤامرات الظلاميين؟